عاصم محمود أمين: السلم الأهلي ليس حلاً مؤقتاً للتعايش، إنما هو مشروع أخلاقي إنساني أكثر منه سياسي، ويأتي كأحد الأولويات في سلم الحاجات الاجتماعية إلى جانب الحاجات البيولوجية، والأساس لاستقرار أي مجتمع. كما يقوم هذا السلم على ركائز كالعدالة الاجتماعية المنبثقة من التوزيع  العادل للثروة، والاستقرار السياسي القائم على التعددية والديمقراطية، والمساواة أمام القانون، وتوفير الحريات العامة.IMG_0818

يأتي منهج السلم الأهلي كقيمة سياسية واجتماعية، ليحل محل العنف والنزاع وذهنية إلغاء الآخر، هذا المنهج قائم على التسامح وقبول صيغ العيش المشترك، وهو الذي يحفظ ويصون الأمن والنسيج الاجتماعيين، من أي اهتراء أو تهالك، خاصة ضمن المجتمعات ذات الطابع متعدد التكوينات.

إن أي مشروع وطني يأتي عقب نزاع مسلح، لا يكتب له النجاح ما لم يضع السلم الأهلي كاستراتيجية وهدف دائم يعمل لتحقيقه قبل أي برنامج آخر، لأن السلم الأهلي كقيمة ومنهج لا يتحقق خارج الإطار الديمقراطي لأي دولة كانت، مهما بدت عليها تمظهرات القوة والتآلف الاجتماعي .

لذا فإن جهود المصالحة الوطنية بعد وقف النزاع من قبل السياسيين، لابد أن تنصب في سياق بناء مجتمع سلمي قائم على العدل والتعايش، أفراده مواطنون متساوون أمام القانون، ومعترف بحقوقهم دستورياً. إذ بات من المسلم به أن المجتمعات ذات الطابع المتعدد الانتماءات والعقائد واللغات والثقافات (كسوريا نموذجاً)، لا يمكنها المحافظة على وحدتها وأمنها واستمرارها، ما لم تقم على مرجعية تعاقدية صلبة تضمن لها البقاء والتعايش، وتمنع تكرار مظاهر الإلغاء والعنف والتفرد في الحقوق والقرار السياسي.

التعايش والسلم الأهليين مفهومان مدنيان  نسبيان، من ضمن حزمة من الحلول العصرية التي تماهت مع مفهوم الدولة الحديثة الناشئة بعد الحروب العالمية، والتي أدت لفرز أنظمة أكثر استمرارية وقدرة على تماسك المجتمعات، والحفاظ على بقائها وديمومتها وهدوئها. هذان المفهومان يعتبران من المسوغات التي تمنح النظم الديمقراطية المدنية الحديثة قبولاً وانسجاماً.

قد يكون فشل كل الجهود لوقف دوامة العنف بين أطراف النزاع السوري (العقل السياسي السوري المتنازع)، دليلاً على غياب الأفكار وقبول الحلول القائمة على التعايش والسلم الأهلي، اللذين يعتبران من أولويات وقف أي صراع، ومن ثم التمهيد لصياغة عقد اجتماعي وسلام مستدام، عبر تطبيق العدالة الانتقالية وغيرها من متممات العملية السلمية.

من نافلة القول؛ الإقرار بأن التعايش والسلم الأهليين سمة أو قيمة عصرية لكل مجتمع يرغب بحياة مدنية ديمقراطية مستدامة، يضمن لكل إنسان أو مذهب أو عرق أو طائفة أو دين حقه في ممارسة حريته ونمط حياته وبناء مؤسساته المدنية، بهدف تطوير ذاته وكيانه، تلك المؤسسات التي طالما كانت تعبر عن روح المجتمع الذي ولدت له ولأجله، والتي كانت غائبة في سوريا طيلة العقود الماضية، حيث لم تشهد الحياة المدنية فيها يوماً، تنظيماً أو تجمعاً مدنياً حراً.

تأتي أهمية هذه المنظمات أيضاً في المساهمة بحل القضايا الاجتماعية العالقة، وفي نشر ثقافة التعايش والسلم الأهلي في بلد مثل سوريا، خاصة في المناطق ذات المكونات المتنوعة، والتي ينبغي أن يكون التنوع والتعدد مصاناً فيها، لأن ذهنية التباغض والاقتتال حالت تاريخياً دون قيام تعاقدات مجتمعية ثابتة، تمهد لسلمٍ أهلي ضامن، من أجل الحفاظ على خصوصية كل فرد وكل مكون من الضياع، تنقل معها الديموغرافية السورية المتنوعة إلى حالة اجتماعية راقية، تنهي حقبة من العنف والحقد والعماء السياسي.

39 replies on “السلم الأهلي منهج لتعايش السوريين”

Comments are closed.