لا يمكن لأي إنسانٍ أن يفكر بعواقب ردّات فعله عندما تتهدّد حياة أفراد عائلته لخطرٍ كبير، كان هذا الأمر هو الأقرب لـ شعور “سربست” وهو يجمع أفراد أسرته في سيارته الصغيرة ويخرج بهم من سري كانييه مع اشتداد القصف التركي واستهداف المدنيين بشكلٍ كبير.
عائلة “سربست” المكونة من الأب والأم وأربعة أطفال، ثلاث فتيات صغيرات وصبيٌ في السابعة من عمره، مرّت في رحلة نزوحٍ صعبة خلال ثلاثة أيام فرّوا إلى بلدة تل تمر ثم إلى الحسكة وأخيراً استقر بهم الحال في بلدة كركي لكي أقصى شمال شرقي البلاد.
ثلاثة أيامٍ استغرقت رحلتهم لاجتياز نحو 200 كم، ليمكثوا نهاية المطاف في إحدى مدارس كركي لكي لكن ليست هناك غرفةٌ تستوعبهم، فكان لابد من أن يصنع خيمةً صغيرة تحت ظلال سيارته، لا يوجد فرقٌ كبير في مسكن هذه العائلة والبقاء في الشارع، سوى أن هناك جداراً كبيراً يحتويهم ويحميهم من العيون.
«لم أكن أعلم ما أفعله بالضبط حينها، لكن الأهم وقتئذٍ هو ألا يصاب أحدٌ من أفراد عائلتي بأذى، القصف كان شديداً وكثيفاً ويطال كل شيء، الآن فقط يمكنني الشعور بالراحة لأنني نجحت بإيصال أطفالي إلى بر الأمان، ولا يهم خسارة المنزل أو الأثاث الذي بداخله» يقول “سربست” بحسرة.
في ساحة المدرسة ببلدة كركي لكي ثمّة امرأة خمسينية يبدو عليها وكأنها فقدت شيئاً ولم يعد بإمكانها العثور عليه، «لا أعلم عن شقيقي وابني المنخرطان في صفوف قوات سوريا الديمقراطية أية أخبار، لقد خرجتُ مع أطفالي في سيارة أحد الجيران دون أن أحمل معي أي شيء سوى ملابسنا» تقول “ثريا” لـ (شار) وهي تجيل النظر في أبناء مدينتها الهاربين من القصف.
“مصطفى بوزان” أبٌ لثلاثة أطفال، هو الآخر فرّ بأطفاله من سري كانييه لا يخفِ دموعه وهو يتحدّث عما تعرّضوا له، واصفاً ما جرى بأنها حرب إبادة على رؤوسهم: «القصف كان بالطائرات والقذائف العشوائية فهل قذائف تركيا تُميّز بين عسكريٍ ومدني؟ هل وصل ذكاء الأسلحة التركية إلى هذه الدرجة؟».
لا يملك “مصطفى” أيّة إجابة لأطفاله الذين يُلحّون عليه ويسألونه عن موعد العودة لقريتهم التي غادروها وهي تئنّ تحت صوت القذائف.
نزوحٌ بطعم المرة الثالثة
“سردار” الأربعيني من قرى (سرى كانييه) نزح عام 2012 إلى (كوباني) هرباً من الفصائل التي هاجمت آنذاك المدينة، ثم رجِع من هناك إلى مدينته مُجدّداً، هرباً من تنظيم داعش، والآن جاء إلى مركز إيواء في كركي لكي، لا يجد هذا الرجل سبباً لاستهدافهم ومدينتهم سوى لأنهم كرد.
«سنعود إلى (واشو كاني) فهي أرضنا وفيها جذورنا التي لا يمكن لأحد أن يقتلعنا منها، الأمر فقط قد يتطلّب بعض الوقت، لكني على يقين كما كنت في المرة الأولى بأنني عائدٌ إليها»، يقول “سردار” وهو مفعم بالثقة والتفاؤل من أجل العودة.
بين تجمّعات النازحين هذه، قد ترى قصصاً كثيرة ربما تتشابه مع قصة “سردار” و”مصطفى” و”ثريا” إنهم جميعاً يعانون من فقدان أرضهم ويحلمون بالعودة التي أصبحت صعبةً جداً، مع وجود تلك الفصائل التي تدّعي التحرير، لكنها تغزو أرضاً ليست أرضها، وتستولي على منازل ليست منازلها، وتتسبب بنزوح آلاف الأشخاص من بيوتهم.
حاول بعض الأهالي ممن اعتقدوا أنهم يستطيعون العودة إلى بيوتهم في سري كانييه ما داموا ليسوا عسكريين، إلا أن الطرق مغلقة، فالفصائل المتشددة المتواجدة تأسر المدنيين وتطلب الفدية بهدف جمع الأموال، كما حدث مع بعض الأشخاص عندما حاولوا دخول المدينة، أو يمكن أن يكون القتل مصيرهم على يد تلك المجموعات، كما حدث مع مُسنٍّ أبى الخروج من منزله، فكانت رصاصة القناص كفيلةً بإخراجه.

مدارسٌ لإيواء النازحين.. أزمة 300 ألف نازح تتسبب بأزمةٍ في مجال التعليم
لم تقتصر أزمة نزوح نحو 300 ألف نسمة من مدينتي سري كانييه و(تل أبيض) وقراهما، على كونها نزوح جماعي، وإنما كان تأثيرها واضحاً على الواقع التعليمي في المدن التي استقبلت هؤلاء النازحين، بعد أن تحوّلت /100/ مدرسة إلى مراكز إيواء في كلٍ من (الحسكة، تل تمر، قامشلو وكركي لكي) بحسب هيئة التعليم في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا.
ففي الحسكة وريفها هناك أكثر من60 مدرسة أحصتها منظمات محلية يقطنها نحو 20 ألف نازح، ما يعني تعطيل العملية التعليمية، وحرمان 60 ألف طالب من التعليم.
كما أن 25 ألف طالب من أهالي سري كانييه أصبحوا خارج المدارس بعد الغزو التركي الذي تسبب بتدمير 25 مدرسة، فيما تحولت باقي مدارس المدينة إلى نقاطٍ عسكرية للفصائل الموالية لتركيا.
يتوزّع نازحو سري كانييه في نقاطٍ رئيسية، أولها مخيم نوروز في ديرك أقصى شمال شرقي البلاد، والذي يأوي 35 عائلة نحو 200 شخص، أما مخيم (التوينة) سمي لاحقاً بمخيم (واشو كاني) والذي أعدته الإدارة الذاتية بالقرب من قرية التوينة على الطريق بين تل تمر و الحسكة، فبلغ عدد النازحين في المرحلة الأولى نحو ألف نازح.
إضافةً إلى 70 مركز إيواء موزعة في مختلف المدن وتحتضن نحو 20 ألف نازح، أما باقي النازحين، فتم إيوائهم في بيوت الأهالي في مدن (عامودا، قامشلو والحسكة) وأريافها.
يأمل النازحون في العودة إلى ديارهم، وممتلكاتهم وأعمالهم، ويتجرعون كؤوس الحسرة والحزن وهم ينامون ويستفيقون في مراكز إيواء ومخيمات بعد أن سلبهم الغزاة كل ما يملكونه.
26 replies on “نازحو سري كانييه”
… [Trackback]
[…] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 58244 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 60782 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 13569 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/11/نازحو-سري-كانييه-رفضٌ-لـ-مراكز-الإيواء/ […]
Comments are closed.