طيلة ثماني سنوات من عمر الحرب السورية، تحالفت القوى المحلية على الأرض مع عديد الدول الإقليمية والدولية؛ لتحقيق مصالح تلك الدول بدايةً، وتحصيل بعض المكاسب-كبيرة كانت أم صغيرة- في معاركها ضد خصومها.
بقيت تحالفات بعض الدول مع الفصائل المحلية متأرجحة، ولعل قوات سوريا الديمقراطية، ومن قبلها وحدات حماية الشعب (الكُردية) هي من أبرز القوى التي غيرت من تحالفاتها خلال سنوات الحرب.
فمن تنسيقها مع الحكومة السورية في بدايات الحرب، إلى تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية عقب سيطرة تنظيم داعش على جلّ مدينة كوباني، إلى سعيها مؤخراً لإعطاء دور خليجي ومصري في المناطق التي لا زالت تديرها شرق الفرات، وهي التي ما انفكت تطالب بقوات عربية درءاً لأيّ هجوم تركي قد يطال تلك المناطق.
كان الدور السعودي في سوريا بارزاً خلال السنوات الثمان الماضية، وهي التي كانت تمتلك علاقات مميزة مع الحكومة السورية؛ حيث كان البَلَدان يشكّلان -إضافة لمصر- مثلثاً عربياً ضامناً للقضايا العربية، كما كانت تحتفظ بشراكة الأمر الواقع مع الحكومة السورية في لبنان منذ رعايتها لاتفاق الطائف عام 1990 والذي أنهى 15 عاماً من الحرب الأهلية اللبنانية، وباتت السياسة اللبنانية مرهونةً بتوافق دمشق والرياض.
عند تفجّر الأوضاع في سوريا، ضغطت المملكة العربية السعودية على الحكومة السورية لتقديم تنازلاتٍ للمعارضة، وحين يئست من محاولاتها تلك، انضمت لجهود قطر وتركيا في محاولاتهما إسقاط النظام الحاكم في دمشق.
الأزمة الخليجية التي بدأت عام 2017 فرّقت مصالح دولِها في سوريا، وبالتالي منعت التنسيق القائم حينها من الاستمرار، وسحبت الرياض دعمها عن فصيلها الأبرز (جيش الإسلام) الذي كان يسيطر على جزء رئيسي من ريف دمشق، وخرجت من الميدان العسكري في سوريا، خصوصاً بعد تعثّرها في اليمن خلال 4 سنوات من عمر الحرب هناك.
كانت زيارات وزير الدولة السعودية لشؤون الخليج ثامر السبهان، خلال السنتين الماضيتين لمناطق شمال وشرقي سوريا، هي نقطة علامٍ في مسار علاقة الرياض بالإدارة الذاتية، فعديد العشائر العربية في شرق الفرات لديها امتدادات في السعودية، والمعلوم أن للعشائر الدور الأكبر في تنظيم المكوّن العربي في شرق الفرات، خصوصاً أن منطقة التواجد الأميركي في شرق الفرات هي تلك الغنية بالنفط، وقسمٌ كبيرٌ منها ذو غالبيةٍ عربية، وبالتالي فالدور الخليجي عامة، والسعودي بشكلٍ خاص، أساسيٌ في توحيد خطاب هذه العشائر، وتحديد خياراتها لمستقبل المنطقة في مواجهة سعي روسيا لإعادة سلطة الحكومة السورية بشكلٍ كامل فيها، مقابل رهانٍ من الإدارة الذاتية على بقاء القوات الأميركية، وإقامة منطقة حكم ذاتي برعاية أميركية ودعم سعودي إماراتي ومصري.
خلاف المحور الخليجي مع تركيا يُعدّ عاملاً رئيساً للانفتاح الخليجي على قوات سوريا الديمقراطية، فالجانبان يملكان خصماً – إن لم نقل عدواً مشتركاً.
السياسة التركية في الشرق الأوسط تعتمد على استخدام الإسلام السياسي، وخصوصاً جماعة “الإخوان المسلمين” وهي من أبرز الملفات ذات الخلاف بين الجانبين، فَدعْمُ أنقرة لـ “إخوان” مصر (معارضو الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المدعوم من السعودية والإمارات) وضعته في خانة خصوم الرياض، بالإضافة لتدخلها في ليبيا ودعم حكومة “الوفاق” برئاسة فائز السراج (حليف تيار الإخوان المسلمين في ليبيا) في مواجهة قائد “الجيش الليبي” المشير خليفة حفتر. وكذلك وقوفها إلى جانب قطر -المغضوب عليها خليجياً- وأيضاً بالنسبة للعلاقة التركية مع إيران.
تسعى المملكة العربية السعودية لاستثمار ملف شرق الفرات لتصفية حساباتها مع تركيا، التي تبتز الرياض -هي الأخرى- خصوصاً في قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتِلَ في القنصلية السعودية في إسطنبول تشرين الأول/ أكتوبر العام 2018.
كذلك تحاول السعودية مناهضة الوجود الإيراني في سوريا عبر دعم العشائر العربية في شرق الفرات، ويأتي دعمها للمظاهرات التي تخرج في دير الزور ضد الوجود الإيراني، في هذا السياق، والأنباء المتواترة التي تفيد بسعي المملكة لاستثمار النفط في حقل العمر النفطي في دير الزور، كما إن دعوة الرياض لعدد من أعضاء هيئة التفاوض من المستقلين، يأتي في سبيل سحب البساط من تحت أقدام تركيا التي تستفرد بتمثيل المعارضة السورية.
وهي محاولاتٌ تقابل بسعي الحكومة السورية وإيران، وبدعم روسي مباشر، وتركي غير مباشر، لعودة مؤسسات الدولة السورية إلى هذه المناطق، مع ضمان تفكيك أيّ مشروعٍ كُردي فيها، وربما تضطرّ للقبول بتحجيم الدور الإيراني المتعاظم في سوريا، سعياً لتسويةٍ مطلوبة مع الجانب الأميركي خاصة، لحلحلة الملف السوري، ومنطقة شرق الفرات بشكلٍ خاص، خصوصاً بعد قرار واشنطن إبقاء 600 جندي في المناطق النفطية شرق الفرات، وهو وجودٌ من الواضح أنه مؤقّت، ويأتي في إطار محاولة مناهضة النفوذ الإيراني في سوريا، وكذلك إخراج تركيا من «ترويكا أستانة»، وإضعاف قطر التي باتت ذراعاً اقتصادياً لتركيا، خصوصاً بعد الإعلان التركي أن الدوحة هي من موّلت عملية “نبع السلام” تشرين الأول/ أكتوبر من العام الحالي.
يبدو رهان “قسد” على الدور السعودي الإماراتي في سوريا خطيراً للغاية، فالعلاقات بين أبو ظبي ودمشق لم تنقطع في أشد مراحل الضغط على الحكومة السورية، والجانبان يشتركان في عدائهم للـ “إخوان”، ومناهضة التمدّد التركي في المنطقة، وثمة نقاط التقاء بينهم في ملفات عدة، فهم حلفاءٌ يُفرّقهم مقاربة ملفات بعينها، وفي نهاية المطاف لا بد أن يتفقوا.
20 replies on “السّعوديّة والإمارات في شرقِ الفرات.. تكتيكٌ أم تصفية حسابات؟”
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 20864 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 53290 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 592 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/السّعوديّة-والإمارات-في-شرقِ-الفرات-ت/ […]
Comments are closed.