«الشيء الوحيد الذي ندمت عليه ولن أسامح نفسي، هي تلك اللحظة التي خرجت فيها من عفرين وتركت بيتنا وذكرياتنا بين أنياب الاحتلال التركي، كان عليّ البقاء حتى لو قتلونا، كان يجب علينا أن نظل».
تقول “أم شيار” وهي تُمعن النظر في صورِها التي التقطتها في عفرين والمحفوظة في هاتفها النقال.
«قُتِل زوجي برصاصة قناص أثناء عودته من العمل، ظلّ مرمياً على الأرض لمدة ثلاث ساعات، حتى جاء رجلٌ، أعرفه، وسحب جثته من الشارع، ثم أخبرني على الهاتف الأرضي بما جرى».
تحاول أن تتمالك نفسها حتى لا تجهش بالبكاء، لم تعرف “أم شيار” كيف تبدأ حديثها المؤلم، هي امرأةٌ من عفرين أمٌّ لثلاثة أولاد، اثنين منهما هاجرا إلى أوروبا، وواحدٌ يعيش معها بصحبة زوجته وطفله الرضيع.
هربت “أم شيار” من حلب إلى عفرين عام 2013 بعد أن قَتَلَ قناصٌ زوجها أثناء الاشتباكات التي وقعت بين فصائل المعارضة وقوات النظام السوري.
تقول “أم شيار” بصوتٍ متقطع أخفضه البكاء:
«أحْضَروا زوجي إلى البيت الكائن في حي الأشرفية، لم يكن باستطاعة أحد الخروج، بسبب انتشار القناصة، بقيت مع جثة زوجي في ظلام تلك الليلة المشؤومة، انتظرت لليوم التالي لإقامة مراسيم الدفن في القرية».
عادت “أم شيار” للعيش في عفرين مع أفراد عائلتها بعد مقتل زوجها، عَلِمت بعد فترة أن الفصائل المسلّحة المسيطرة على الأشرفية في حلب قد استولت على بيتهم.
في الفترة ذاتها؛ كانت الطائرات التركية تقصف القرى المحيطة بمدينة عفرين، أخبروها فيما بعد، أن فصيل الحمزات (وهو أحد الفصائل المسلحة التي هاجمت عفرين بالتعاون مع الجيش التركي تحت مُسمّى غصن الزيتون) استولى على بيتهم في القرية إسوةً بباقي البيوت التي صارت تحت سيطرة مسلحي الفصيل بغياب أصحابها.
حتى أن هؤلاء المسلحين بدؤوا باستئجار عددٍ الأيدي العاملة لسرقة محاصيل الزيتون بعد قطفها من الأشجار في الصباح الباكر، حتى لا يعلم أحد بأفعالهم، لتتم تلك السرقات فيما بعد في وضح النهار و أمام أعين أصحابها، وقد وصل عدد محاصيل الأشجار المسروقة في قريتهم إلى /3500/ شجرة.
واحتل الجيش التركي والفصائل الإسلامية السورية المسلحة المدعومة من أنقرة، مدينة عفرين وريفها في الثامن عشر من شهر مارس آذار عام 2018، حيث تسببت عملية الاجتياح تلك، بهجرة عشرات الآلاف من المدنيين بعد نهب وسرقة ممتلكاتهم، بحسب ما وثقت العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية.
تمكّنت “أم شيار” من الهروب من عفرين بعد أن بدأ الجيش التركي بقصف المدينة، قطعت مسافات طويلة مشياً على الأقدام ضمن أراضٍ وعرة برفقة ابنها وزوجته وطفلهما الرضيع، استغرقت رحلتهم «المميتة» كما تصفها الأم، مدة ثلاث ساعات ونصف، حتى وصلوا إلى منطقة “ترندا”، و من هناك استقلّوا سيارة أجرة إلى “برج القاص” بناحية “شيراوا”، ثم إلى مدينة “نبل” التي يسيطر عليها النظام السوري، تروي قصة الهروب تلك والدموع تملئ عينيها:
«كان الناس يفترشون الأرصفة وينصبون خياماً من أكياس الخيش والنايلون، أملاً ببعض الدفء نتيجة العواصف المطرية، الكثير من الآباء والأطفال أضاعوا ذويهم أثناء هروبهم من القصف، وبعضهم أضاعوهم في رحلة الهروب الطويلة».
تقول “أم شيار” أن أهالي عفرين النازحين والهاربين من الاجتياح التركي والفصائل السورية المعارضة «عانوا حياة صعبة في مدينة نبل، حيث غلاء الأسعار، ليصل أجار الغرفة الواحدة إلى مئتي ألف ليرة سورية للشهر الواحد».
لم تمكث “أم شيار” و عائلتها إلا يومين اثنين فقط، بعدها عادوا إلى حلب بعد أن دفعوا للمهربين مبلغ ثلاثة آلاف دولار عن كل شخص، لتأمين طريقٍ آمن لهم في ظل القصف العنيف، ثم بعدها وصلوا مدينة قامشلي.
غياب دور المنظمات الإنسانية والإغاثية
الآن، تسكن “أم شيار” في شقةٍ مع ابنها وزوجته والطفل الرضيع، استأجرتها بمبلغ /35/ ألف ليرة سورية شهرياً، في وقتٍ لا يتعدّى راتب الابن /100/ ألف ليرة شهرياً.
«في مدينة قامشلي وحدها، يبلغ عدد العوائل النازحة من عفرين وريفها، بمن فيهم المُهجّرين قسراً، نحو /100/ عائلة، يعاني هؤلاء جميعاً من غياب المساعدات الإنسانية التي عادةً ما تُقدّمها الجمعيات والمنظمات الإنسانية للفارّين من مناطق النزاع»، تقول “أم شيار” بحسرة.
كما يعاني هؤلاء النازحون من غياب المنظمات المهتمة بالنواحي النفسية أو مستشارين أخصائيين لمعالجة الحالات النفسية المتأزمة التي يعاني منها العفرينيون، خاصة العائلات التي فقدت ذويها جراء القصف التركي، التي تعرّض ويتعرّض ذووها ممن بقوا في عفرين، للقتل والسرقة والخطف من قبل الفصائل المسلحة.
تقول “أم شيار” وهي تضع يدها على خدّها متحسّرة:
«في كل ليلةٍ أحلم بزوجي وهو يرتدي ثياباً جميلة يبتسم لي ثم يرحل».
تضغط على أصابعها بقوة وكأنها تعصر شيئاً في قبضتها، تقول:
«في كل ليلة أستيقظ بخوف، أرى كوابيساً مخيفة، أرى نفسي أهرب من قصف الطيران وموتى مرميين في كل مكان».
فَقَدَت “أم شيار” زوجها، واستولت الفصائل المسلحة على بيت العائلة في حلب، ثم خسرت بيتها في عفرين وآخر في القرية، نزحت إلى مدينة قامشلي مع عائلتها الصغيرة و هي لاتزال أسيرة ذكريات الماضي، تقول بألم:
«سأظل أعيش وأحتفظ بذكريات طفولتي وطفولة أولادي مع زوجي المقتول، في زوايا البيوت التي خسرتها وافتقدها».
25 replies on “عندما يُقضى على حلمِ عائلة برصاصةِ قنّاص!!”
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 15088 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 72326 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 72746 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 80180 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 13045 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/عندما-يُقضى-على-حلمِ-عائلة-برصاصةِ-قنّ/ […]
Comments are closed.