مثل كرة الثلج، تتدحرج أسعار العقارات في مدينة قامشلو آخذة بالارتفاع، لتصل إلى مستوياتٍ تبعثُ على القلقِ، خاصةً في ظلّ الأوضاع غير المُطمئنة التي تواجهها المنطقة، فهي لم تتعافَ بعد من جراحاتها ومعاركها وقلاقلها الأمنية.
وعلى شكلِ خطٍّ تصاعدي، لم تهبط أسعار العقارات في قامشلو؛ بل قفزت إلى مستوياتٍ قياسية، الأمر الذي أرّق ويؤرق بال الكثير من أبنائها، لاسيما شريحة الشباب ومحدودي الدخل.
حطّم ارتفاعُ أسعار المواد الإنشائية، حُلَم المقاول والمهندس المعماري “كسرى يوسف” الذي يتأمّل الطوابق الستة غير المكتملة البناء، التي شيّدها في حي “الكورنيش” بمدينة قامشلو، وتوقّف عن إتمامها بعد انهيار الليرة السورية أمام الدولار الأميركي بنحوٍ غير مسبوق قبل أيام.
«ارتفاع أسعار مواد البناء واليد العاملة بعد إتمام بيع الشقق الستّ بأسعارٍ تراوحت بين 13 و 15 مليون ليرة سوريا وعليّ إكسائها وتسليمها لأصحابها خلال ثلاثة شهور وتحمّلي فرق العملة الذي أحدثه ارتفاع الدولار، ولو بقي كذلك، سأحتاج لمعجزة إلهية لتجاوز المحنة» يقول “يوسف” مُتحسّراً.
تحكّم الدولار
تحمل الأرملة “أم رودي” 40 عاماً من قرية “دوكر” مبلغ 12 مليون ليرة سورية في جعبتها باحثةً عن منزلٍ في منطقةٍ مقبولة تكون الأقرب لوسط المدينة وفق حاجتها وحاجة عائلتها المكوّنة من 7 أشخاص، لكنها يئست من البحث، وربما ستتجه لشراء بيتٍ ذو فناء في منطقة “علايا” جنوبي قامشلو، بعد عدولها عن شراء شقة تجدها أكثر أماناً من المنازل المفتوحة والمستقلة، وتقول لـ مجلة (شار): «أسعار العقارات في قامشلو ملتهبة مثل حرّ تموز».
بوجهٍ عابس، وملامحٍ ترسم الخيبة والإحباط؛ يغادر “جوان سليم” 33 عاماً مكتب (بلند) لبيع العقارات وشرائها، بعد أن رفع صاحب الشقة التي كان قد اتفق معه على شرائها بمبلغ 16 مليون ليرة سورية إلى 18 مليون بعد يومٍ واحد من الاتفاق، والذي صادف يوم الارتفاع غير المسبوق لسعر صرف الدولار الى 1850 مقابل الليرة السورية.
انفجار أسعار العقارات، نزلت كالصاعقة على “جوان” مدرّس اللغة الكردية المتزوج منذ خمس سنوات وأب لطفلتين، إذ يتحدّث لمجلة (شار) عن «الارتفاع الصاروخي» كما وصفه، لأسعار العقارات، حيث «صار كابوساً لكل من يَحلُم بامتلاك مسكن».
ويُضيف: «لو عثرتُ على شقةٍ بالمبلغ الذي امتلكه، سأحتاج لـ 6 مليون ليرةٍ سورية لتجهيز البيت، فيما كنت قد حسبته على سعر الصرف القديم قبل أسبوع تقريباً بثلاثة ملايين؛ فالمواطن البسيط هو الضحية التي ترزح تحت سعير المبالغ المُجحفة للإكراء (الإيجار) والأسعار النارية للعقارات».
وقائع وأرقام
لم يخطر ببال “مازن أبو لافا” الذي يعمل في مخبزٍ خاص بأجرٍ يومي لا يتجاوز 5000 ليرة سورية، أن مالك المنزل الذي استأجره في حي الكورنيش قبل سنة ونصف بمبلغ 40 ألف ليرة، سيرفع أجار البيت إلى 60 ألف ليرة سورية.
لم يُخفِ “أبو لافا” الشاب الثلاثيني لمجلة (شار) حيرته وتخبّطه لا سيما أن ربَّ العمل رفض هو الآخر رفع أجرته اليومية ليتمكن من سداد قيمة الأجار الجديد والذي قد يجبره للعودة إلى العيش في منزل العائلة الكبير في حي الهلالية.
«اكتوينا بالأسعار النارية للعقارات» بهذه الكلمات يختزل “نبيل فتاح” لمجلة (شار) حجم الصعوبات التي اعترضت طريقه لاقتناء مسكن.
لا يبدو “نبيل” حالة معزولة، لكنه واحد من بين آلاف الشباب ممن أَجهِضت الزيادات المتسارعة لأسعار العقارات حُلمهم في امتلاك منزلٍ خاص بهم، وتوفير ثمن المسكن أو استئجاره، خاصةً مع تدني القدرة الشرائية وتزايد النفقات اليومية.
أسعارٌ خياليّة
وتختلف أصناف الشقق والمنازل حسب مساحتها وعدد غرفها وموقعها ودرجة رفاهيتها، ويصل متوسط سعر الشقة في مِنطقة السياحي لـ 40 مليون ليرة سورية ما يقارب 22 ألف دولار أميركي.
ويعتبر المهندس “كسرى يوسف” أن تضاعف أسعار العقارات إلى ثلاثة أضعاف، سببه ارتفاع أسعار مواد البناء التي تُستورد غالبيتها من كردستان العراق بالدولار وتحسب بالليرة السورية، يقول لمجلة (شار): «كمتعهدي بناء، نبيع سلفاً الشقق على المخطط المُعد من قِبَلِ مكتبنا الهندسي بالاتفاق مع مالك الأرض، بعد اتفاقنا معه على شروطٍ تُحقّق لنا أرباحاً معقولة، لكن جائحة كوفيد 19 وبعدها ارتفاع الدولار، نَسَفَ كل جهودنا».
وباع “كسرى” سلفاً الشقتين في الطابق الأول بمبلغ 15 مليون سوري ما كان يعادل حينها 15 ألف و750 دولاراً، ليوفّر مستلزمات شراء مواد البناء التي يشتريها، كما يضيف من تجار الجملة بالليرة وهم يرفعون بدورهم أسعارها مع صعود سعر الدولار الذي فاق ارتفاعه المفاجئ التوقعات، يقول: «توقّفتُ عن إتمام البناية، على أمل أن نجد حلاً مع المشترين ونحدد سعراً جديداً يقينا من الخسارة».
أزمةٌ خانقة
“إبراهيم محمد” أحد المُهجّرين من “سري كانييه” الذي انتقل للعيش في قامشلو بعد احتلال الجيش التركي والفصائل السورية التابعة له في التاسع من أكتوبر 2019، ونزوحه بدايةً إلى منازل بعض أقربائه في الحسكة، وبعد عملية بحثٍ طويلة، حصل على شقة سكنية مفروشة ودفع 600 ألف سورية أجار ستة أشهر.
«إن المساكن المتوفّرة صغيرة وسيئة للغاية ويتم إنشاؤها على عجل، حيث يبدو ملاك المنازل في سباقٍ مع الزمن، خصوصاً مع زيادة الوافدين إلى المدينة»، يقول “إبراهيم” لمجلة (شار).
لا توجد قواعد اقتصادية تحكم سوق الأراضي والعقارات ومواد البناء في مدينة قامشلو، بسبب ازدحامها بالنازحين من مختلف المحافظات السورية، ما رفع من سعر قطعة أرضٍ لا تتعدَّ مساحتها مئتي متر مربع، تتجاوز قيمتها بحسب الخبيرة الاقتصادية “نسرين درويش” «أسعار مانهاتن ولندن وغيرها من دول العالم الأكثر استقراراً وازدهاراً».
وتقول لـ مجلة (شار): «إن عمليات النزوح وانتقال السكان من منطقةٍ لأخرى، جراء تغيير الخارطة الديمغرافية الناتجة عن تدمير بعض المدن كما في (عفرين، سري كانية وكري سبي) هي واحدة من أسباب تلك الزيادة».
سوقٌ غير مَرِن
وترى الخبيرة الاقتصادية “درويش” أن سوق العقارات في قامشلو «غير مرن، بمعنى أن هذا السوق لا يستجيب لمتطلبات الواقع، لأن الواقع في ذاته مُعقّد، ويشهد ارتباكاً واضحاً، بسبب عدم وضوح ما إذا كانت الاعتمادات المالية ستمضي في اعتمادها على الليرة السورية أم ستعتمد على العملة الأجنبية فـ”الدلالين والسماسرة”، هم المستفيدون الأبرز من هذا الارتفاع الجنوني للدولار والخاسر هو المواطن المتوسط الدخل».
من جهته، يؤكّد “أبو أيمن” وهو “دلّال” عقارات، خلال حديثه لمجلة (شار) أن مسألة ارتفاع العقارات «تعود إلى زيادة أعداد السكان، ما يعني زيادة الطلب على العقار، وتوجّه المواطنين نحو الاستقرار في قامشلو وغياب مشاريع الهجرة، كل ذلك ساعد في نمو هذا القطاع وبالتالي ارتفاع أسعاره بهذا الشكل، ناهيك عن السبب الأهم هو ارتفاع الدولار».

جشعُ “دلالي” العقارات
هناك ظاهرةٌ تفاقمت منذ سنوات، وهي أن معظم أصحاب الأملاك استغنوا عن الحدائق وأخذوا يبنون الدور السكنية الصغيرة ويقومون يتأجيرها للمواطنين لقاء مبالغ مالية كبيرة حسب الخبيرة الاقتصادية “نسرين درويش” التي ترى أن المنطقة «تشهد غلاءً بسبب ربط أسعار المواد والسلع والأجارات بالدولار، في حين أن معظم الناس يقبضون بالليرة السورية، فالاستثمار في العقارات هو التجارة الرابحة في هذه الأوقات» بحسب قولها، وتضيف: «تحوّل أصحاب المكاتب العقارية، إلى محتكرين وصيادين لحاجة الناس واضطرارهم إلى شراء أو استئجار منزل أو محل تجاري».
في حين دافع “أبو أيهم” صاحب مكتب (كليوبترا) العقاري عن الاتهامات التي تطال أصحاب مكاتب العقارات، حيث قال لـ مجلة (شار): «الاتهامات الموجّهة إلى وسطاء بيع العقارات بأنهم يقفون وراء رفع الأسعار؛ هي حجج واهية ونحن لا نرفع أو نخفض الأجارات، وإنما حصول زيادة في الطلب مقابل قلة العرض هو الذي رفع أسعار العقارات إلى جانب الزيادة السكانية».
تفاقم الأزمة
يقول المقاول “سربست إبراهيم”: «لا بد من أخذ أمرين بالحسبان، الأول العجز الحاد في المعروض من العقارات، والثاني التضخّم الذي أكل العملة السورية، فالدولار تخطّى سعره 1800 ليرة سورية وسعر طن الحديد نشتريه بالليرة السورية المنهارة بتأرجح ارتفاع الدولار وإن هبط، يبقى مرتفعاً، فسعر طن الحديد هو 700 دولار ما يعادل اليوم مليون و300 ألف ليرة سورية، بينما السنة الماضية في نفس هذا التوقيت، كان الدولار يُقدّر بنحو 600 ليرة سورية وطن الحديد كان يقابله 420 ألف ليرة سورية. اليوم وصلت لثلاثة أضعاف».
وأشار الدلّال “أبو أيمن” إلى أن العديد من الاستفسارات تأتيه بشكل يومي عن أسعار الشقق والأراضي، إلا أنه يمتنع عن ذكر التفاصيل في ظلّ عدم استقرار سعر صرف الدولار، خاصةً وأن عرض الأسعار بات اليوم بالدولار وليس بالليرة السورية.
وأضاف لـ مجلة (شار): «اليوم لا نستطيع وضع سعر بالليرة السورية، لأن المبلغ كبير وقد يتغير في أيّة لحظة، ومن لديه شقة؛ لن يبيعها بنفس السعر على الليرة السورية قديماً».
ويُضيف: «سعر العقار بالنسبة للدولار، لم يتغير منذ 10 سنوات، فمثلاً عندما كان الدولار بسعر 50 ليرة سورية فإنك تجد شقة ثمنها 750 ألف سورية أي ما يعادل 15 ألف دولار، واليوم ثمنها 15 ألف دولار، أما بالنسبة للأراضي والتي تُبنى فيها شقق ومحال، فيكون السعر مرتفع جداً، وعندما نقول إن ثمن الشقة اليوم 40 مليون ليرة سورية، فقد يفاجئ البعض وهي فعلياً ثمنها ٣٠ ألف دولار تقريباً، أي 30 ألف دولار كانت تساوي مليون ونصف ليرة سورية، لذا فإن سعر الشقق هو ذاته يبدأ من 10 آلاف دولار وحتى 40 ألف دولار، والأراضي من 20 ألف دولار وما فوق، وكل الأسعار تختلف باختلاف المنطقة والشارع وغيرها من الميزات الأخرى».
26 replies on “سوق العقارات في قامشلو…”
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 22484 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 42792 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 79121 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 65152 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 60235 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/05/سوق-العقارات-في-قامشلو/ […]
Comments are closed.