يمرُّ “إسقاط” أيّ قانون وتهميشه، عبر فَرضِ حالة الفوضى أو الاقتناع بجدوى تسلّطِ جهةٍ ما مُغايرة على كافة القِطاعات، بما فيها الإعلام، لتصبح السلطة الرابعة، بمؤسّساتها الرسمية؛ أسيرة الانتهاكات بحقّها قبل أن تُنتَهك حقوق الصحفيين والوسائل الإعلامية التي جاء هذا القانون للعمل على حمايتها، وسدّ الطريق أمام الاعتداء عليها.
ولا يُشكّل أيّ قانون- مهما كان مُحكماً في صياغته ودقيقاً في تصدّيه للثغرات القانونية- عائقاً أمام هذه الجهة أو أيّة جهةٍ أخرى تتحكّم بمقاليد الحُكم عندما تهمل وتتناسى هذه السلطة مدى أهمية الإعلام ودوره في تطوير الواقع بكل جوانبه، ومدى نجاعته في إسناد ودعم “منطق” هذه السلطة إن كان في توجهه السليم وعبر عوامل الضغط.
وللحديث وإبداء الرأي حول قانون الإعلام، الذي تمت المصادقة عليه عام 2015 في مناطق الإدارة الذاتية، لا يمكننا سوى البحث في أمرين؛ أولهما مدى قدرة هذا القانون على الاستجابة لمتطلبات الصحفيين والتجانس مع حقوقهم وخصوصية الحقل الذي يعملون فيه، وابتعاده عن تأليه هذه الجهة أو تلك ومنحها سلطة استغلال الثغرات في بنود القانون، وثانيهما البدائل التي مارست دور القانون نفسه، لأنه يفتقر للإحاطة بكل القضايا، ولأنه كُتِب لفترةٍ زمنية محدّدة ولظروفٍ معينة عاشتها الإدارة في تلك المرحلة.
إذاً، بإمكاننا تلخيص ما يمكن انتقاد ذلك القانون بشأنه في منحه الحجة القوية للجهات المختلفة في التحكم بمصائر الصحفيين وإدارة أمورهم دون العودة له، وهذا يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالظرف الذي وُلِد فيه ذاك القانون ومر به خلال السنوات الماضية، سواء منها الظروف الأمنية أو ظروف توسّع دائرة سلطة الإدارة الذاتية، أو عدم احتواء القانون على مقوّمات تأقلمه مع هذه الظروف بجميع حيثياتها.
حيث شكّلت قضايا التعميم الفضفاض وقضايا أخرى مرتبطة باتساع فكرة التأويل في مجال المخالفات بحق الصحفيين، نقطة الضعف التي فتحت الباب أمام الاجتهاد من قِبل مختلف الجهات حول نوعية هذه المخالفات واقتراح ما هو متراوح بين المنطقي والمعقول إلى ما هو لا معقول ومنافٍ لأيِّ قانونٍ يحمي حرية الصحفيين وقدرتهم على التحرك وفق ما تفرضه عليهم هذه المهنة من متطلبات.
وقد تكون هاتين النقطتين هما البوابة الرئيسة التي دخلت عبرها آلة منع الصحفيين من العمل والتضييق على بعضهم من جهاتٍ مختلفة لا تحمل الصفة الرسمية غالباً، أو حتى من جماعاتٍ وأفرادٍ لديهم روح “المغامرة” في العمل على عرقلة عمل هذا الصحفي أو ذاك أو هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك، نظراً لوجود ما يُمكنه أن يساهم في حمايةِ المنتهِك من أيَّ جزاءٍ أو محاسبة.
وبالنظر إلى ما كانت تُحيط بولادة ذاك القانون من ظروف، وما رافقته لاحقاً من ثغرات، فإنه يمكن النظر إلى ما يتم العمل عليه من مسودة جديدة لقانون الإعلام؛ على أنه المُنقذ للقانون السابق، مما اعتراه من نقصٍ وما سبّبه من انتهاكاتٍ ساهم بفتح الطريق أمامها. وأنه الفرصة الأخيرة ليُثبت واضعو أي قانون للإعلام في المنطقة، مدى قدرتهم على حماية الصحفيين من الانتهاكات ورفد الوسط الصحفي بسلاحٍ ناجع لحماية حرية الرأي والتعبير وحرية الصحفي وقدرته على التحرّك بسلاسة للوصول للمعلومة واستخدامها نشراً وبثّاً دون رقيب، وإلا فستكون أيّة عملية لتنظيم الواقع الإعلامي محض خيالٍ ومجرد إلهاء العاملين في هذا الوسط وفتحاً للأبواب أمام انتهاكاتٍ أفظع، لما يمكن أن تشهده الظروف في قادم الأيام والسنوات من حالةٍ لا طبيعية وانتقالٍ من الاستقرار للتوتر أو العكس بكل ما يحمله هذا التغيير من انعكاساتٍ على واقع التعامل مع العاملين في هذا الحقل الأكثر تفاعلاً مع تقلّبات الظروف والأكثر احتكاكاً مع الفاعلين في مختلف المجالات الحاملة للواء السلطة ولواء ما يستجدّ من تغيّرات.

ويجب التأكيد على أن المُنقِذ الأول لأيِّ قانون؛ هو نصّه ومدى متانته ومرونته في التعامل مع ما يستجدّ من ظروف، وقدرته على قطع الطريق أمام أيّ تأويلات وتكهّنات، فقوة القانون تأتي من اشتماله على كافة الحالات والعقبات التي يمكن أن تعترض الصحفي خلال عمله أو تعرض على الدائرة المسؤولة عن الإعلام.
لذلك، فإن التّمعّن في هذا القانون وما سيأتي في مضمونه، يجب أن يأخذ الأولوية في عمل مكتب الإعلام وكافة المعنيين بهذا الموضوع، سواء من سلطات تنفيذية أو نقابية أو صحفيين ومؤسسات مستقلة، وعليه فإن أيّة محاولة للولوج في تفاصيل المعاملات الإدارية في قِطاع الإعلام، يجب أن تتّسم بِسِمَةِ الشفافية وتطبيق المنطق مع الحفاظ دوماً على احترامِ مبدأ حرية الرأي والتعبير وقيم الإعلام الحقيقي، بما يضمن التزاماً من كافة الأطراف بمعايير إدارة الحالة الإعلامية وفق أُسس تستند للحقوق المشروعة للعاملين في هذا المضمار، وبما يتفق مع المعايير العالمية السارية في هذا المجال، وكذلك التزام الصحفيين والوسائل الإعلامية بمضامين مواثيق الشرف الصحفي التي تُحمّل الصحفي أعباء التركيز على المهنية في العمل.
وعلى ضوء ما سبق، يُمكننا البحث في مدى قدرة القانون القادم على إلزام طرف السلطة على تطبيقه عملياً، وهذا لبّ الموضوع، والأساس الذي لا يمكن غضّ النظر عنه في تقييم آلية التعامل مع أيّة حالة أو واقع إعلامي وبغض النظر عن مضمون القانون وحيثياته.
ومع ذلك، فإن عملية إحكام القانون نصاّ، هو جزءٌ من السير بهذه العملية نحو النجاح، أما الجزء الآخر؛ فيستند لمدى قدرة الصحفي ذاته أو الوسط الصحفي بالمجمل على إسنادِ القانون، وهنا تنقلب الآية، فتطبيق القانون له طرفان يرتكز عليهما، وهما السلطة التي بيدها آليات تطبيق القانون وتنفيذه، ومن جاء القانون لتسيير أمورهم وهي الجهة التي يجب أن تساعد النص القانوني لتفعيل ملابساته.
وغاية القول، أن المطالبة بجرأة تطبيق النص، يعطي للقانون ما ينقصه من إمكانيات، ليكون مُطبّقاً على أرضِ الواقع ويُلزِم السلطات على تطبيقه، لأن الحقوق يجب أن يتم المطالبة بها والإصرار عليها وفق نصوص واضحة وبيّنة، وهو ما يتم العمل عليه من خلال القانون الجديد من حيث المضامين وما سترافقها من عملية ترويج، بقصد الحث على تفعيل الجانب الآخر من المعادلة.
24 replies on “قانونُ الإعلام الجديد: “التّفصيل” لاحتواءِ الانتهاكات ومَنعِها”
… [Trackback]
[…] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 39000 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 26178 additional Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 60164 additional Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 93707 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/06/قانونُ-الإعلام-الجديد-التّفصيل-لاحت/ […]
Comments are closed.