«نضطرّ لشراء المياه، والانتظار طويلاً لتأمين عدة براميل، إذا استمرت الحال هكذا، ربما لن نستطيع تأمين تلك الكمية أيضاً»، بهذه الكلمات يصف “أحمد حسن” حاله وحال أهالي مدينته الحسكة وما تعانيه من نقصٍ في المياه.

«هذه حالنا، إن لم نمت من الجوع، سنموت عطشاً» يقول وهو واقفٌ تحت الشمس الحارقة والعرق يتصبّب من جبينه، وعيناه تراقبان السيارات التي تمضي عبر الشارع، عسى أن يلمح إحدى صهاريج بيع المياه.

«نبعُ السّلام» أم بؤرة الجفاف والعطش؟

تُعدّ محطّة “علوك” مصدراً لتأمين المياه لنحو مليون شخص، في مدينة الحسكة وريفها من تل تمر وأبو راسين وريفها، إضافةً لثلاثة مخيمات (واشو كاني، العريشة والهول) التي تضم بمجملها نحو 95 ألف نازحٍ ولاجئ.     

تخضع عملية إمداد الحسكة بالمياه لابتزازٍ تركي، إذ طالبت أنقرة القوات الروسيّة في أكثر من مناسبة، بإمداد مناطق سيطرتها في سري كانييه  وتل أبيض وأريافها  بالتيار الكهربائي من سد تشرين، وفق ما ذكره قائد القوات الروسية في تصريحٍ صحفي مطلع آذار مارس 2020. 

ورغم استجابة الإدارة الذاتية للطلب التركي، وفق ما أعلنت ورشة الصيانة التابعة لها، بمد محطة الكهرباء في “مبروكة” بالإمدادات الكهربائية، إلا أن تركيا لم تلتزم بتعهّداتها بخصوص ضخ المياه إلى مدينة الحسكة.

تصوير: شيرزاد سيدو

«كنا على استعدادٍ في أكثر من مرة للذهاب برفقة القوات الروسية إلى المحطة لتنفيذ أعمال الصيانة، لكن لم يتم ذلك، بسبب مطالبة تركيا تزويد محطة “مبروكة”  بكمياتٍ محدّدة من التيار الكهربائي» يقول “جوان عبدالله”(اسم مستعار) وهو أحد العاملين في قسم صيانة الأعطال في محطة “علوك” خلال حديثه لـ (شار).

من جانبه، يؤكّد الناشط السياسي “محمد كمال” لـ (شار) أن تركيا «تسعى إلى خلق حالةٍ من الاختناق لدى الشعب لتأليبه على الإدارة الذاتية»، ويرى أن بتلك الممارسات «تكشف حقيقة سيطرة تركيا على المنطقة المسماة (نبع السلام)، ويتوضّح زيف الذرائع الإنسانية التي كانت تتحجج بها».
تحوّلت تلك المنطقة، بحسب “كمال” «إلى قاعدةٍ لخلقِ الأزمات والمعاناة لأهالي شمال وشرق سوريا، فهم يطلبون التيار الكهربائي، في وقتٍ تعاني المنطقة نفسها من قلّته، وفوق ذلك، يمنعون تدفّق المياه إلى السدود».

وفي ظلّ تكرار انقطاع المياه عن محطة “علوك”، يعتمد أهالي الحسكة على الآبار المتوزّعة في ريف المدينة وعلى طريق تل تمر – الحسكة،  كما يحاول البعض حفر آبارٍ قريبة من مساكنهم، في ظلّ صدور قرارات جديدة من الإدارة الذاتية تتعلق بتنظيم الحفر، وشكوك كبيرة من الأهالي حول مدى نجاعة حفر هذه الآبار.

لكلِّ عائلة حكاية مؤلمة مع انقطاع المياه 

انقطعت المياه عن مدينة الحسكة وريفها أكثر من عشرة أيام، وبعض الأحياء، لم تكن المياه تصل إليها نهائياً قبل فترة الانقطاع تلك، بسبب شح الكمية التي تأتي إلى المدينة، تزامناً مع التقنين غير المنظم للتيار الكهربائي والذي يتسبّب  بحرمان الأهالي من ملء خزانات المياه خاصتهم.

«بسبب تزامن انقطاع التيار الكهربائي مع الفترة المُخصّصة لضخ المياه إلى أحيائنا، لا نستفيد شيئاً، وخزانات المياه تبقى شبه فارغة، لعدم تمكّننا من تشغيل محرك (دينمو) لتقوية ضخ المياه» يؤكد “لوند سليم” من أهالي حي (مرشو) خلال حديثه لـ (شار).

بينما “أم آراس” التي يبدو أنها فَقَدت الأمل في الحصول على المياه من حارتها، راحت تتفقّد الأحياء المجاورة، عسى أن تنجح في تعبئة عبواتها البلاستيكية بالمياه، تقول لـ (شار): «هذه حالنا كل يوم، وحال معظم سكان هذه الأحياء التي يسيطر عليها الجفاف خلال فصل الصيف».

أما “فاطمة محمد” ورغم وضعها المادي السيء، إلا أنها تلجأ لشراء عبوات المياه المعدنية، تقول: «سعر العبوة الواحدة 500 ليرة، وهو يعادل ثمن نصف برميل من المياه التي نشتريها في حال عثرنا على الصهريج».

تزامنت أزمة المياه هذا العام، مع ظهور وباء كورونا، في ظلّ مخاوف من انتشاره بين السكان المحليين، وما زادت من أعبائهم هو الخشية من انتقال أمراضٍ أخرى نتيجة قلة النظافة وعمليات التعقيم بسبب نقص المياه وانعدامها في كثيرٍ من الأوقات.

المعاناةُ تحت وطأة الاستغلال 

أزمة المياه في الحسكة وريفها، لا تتمثّل في الكميات القليلة التي تصل للأحياء؛ بل حتى في بيع المياه هناك مشكلةٌ يعاني منها السكان المحليون مُتمثّلةً باستغلال حاجة الناس من قِبَل أصحاب الصهاريج، إذ يتفاوت سعر البرميل الواحد بين 1000 إلى 5000 ليرة في ظل غياب الرقابة. 

«نتيجةً للطلب المتزايد على شراء المياه، فإن الكثير من أصحاب الصهاريج يستغلّون حاجة الأهالي، فالسعر الذي تم إقراره هو 1000 ليرة للبرميل، لكن البعض يطلب سعراً أكثر من ذلك، قد يصل إلى 5000 ليرة في بعض الأحيان» يقول “محمد العلي” لـ (شار).

«في وقتٍ لم تتخذ الإدارة الذاتية أيّ إجراءٍ بحق المخالفين، في ظلّ عدم قدرة الصهاريج التي خصّصتها مؤسسة المياه، على تلبية حاجة السكان» يقول “لوند سليم” أحد أهالي حي “مفتي”.

A Syrian woman fills containers with water amid shortage in the predominantly Kurdish city of Hasakeh in northeastern Syria on March 5, 2020. (Photo by Delil SOULEIMAN / AFP)

ما الحلول المرجوّة؟

رغم الشكاوى التي تقدّم بها السكان المحليون، بغية إيجاد حلولٍ لأزمة المياه الجديدة القديمة، إلا أن الأمور ساءت أكثر بعد احتكار بيع المياه، بحسب مناشدات بعض الأهالي لـ (شار) رفضوا الكشف عن أسمائهم، وأكدّوا أن مياه الآبار التي تبيعها الصهاريج «غير صالحة للشرب، بسبب ارتفاع نسبة الملوحة فيها».

وهو ما نفته الرئاسة المشتركة لمديرية مياه الشرب في الحسكة “سوزدار أحمد” خلال حديثها لمجلة (شار)، مؤكّدةً أن مياه الآبار التي تُجهّزها المؤسسة في منطقة (الحمة) القريبة من المدينة «صالحة للشرب بعد إجراء التحاليل الكيميائية والفيزيائية». 

وقالت “أحمد”: «نتيجة إغلاق المعابر بسبب الحظر المفروض طيلة الأشهر الماضية، لم نتمكّن من إنجاز المشروع الذي يتم إعداده، هناك 20 بئراً من محطة (الحمة) ستكون جاهزة لضخ المياه خلال شهر».

من جانبه، أكد المهندس “نضال محمود” الرئيس المشترك لمؤسسة المياه في الحسكة، خلال حديثه لـ (شار)، أن الإدارة الذاتية «باشرت بتأسيس مشروعٍ استراتيجي مائي، يُعدّ الأكبر  من نوعه في شمال وشرق سوريا، وسيدخل الخدمة مع بداية العام القادم».

مع محاولة مؤسسة مياه الحسكة التابعة للإدارة الذاتية، لإنهاء أزمة المياه، إلا أن معظم الأهالي الذين التقتهم (شار) أكّدوا أنها «حلولٌ إسعافية غير كافية، وأن الأزمة ستتكرّر خلال الفترة المقبلة».

 

32 replies on “أزمةُ مياه الحسكة.. بين الابتزاز التركي والحلول الغائِبة”

  • 07/03/2023 at 7:27 م

    … [Trackback]

    […] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 01/25/2025 at 8:59 م

    … [Trackback]

    […] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 03/10/2025 at 2:06 م

    … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 03/11/2025 at 6:55 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 03/12/2025 at 3:22 م

    … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 03/21/2025 at 3:52 م

    … [Trackback]

    […] There you will find 19064 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 04/05/2025 at 8:41 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 04/10/2025 at 10:51 م

    … [Trackback]

    […] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 04/11/2025 at 5:56 ص

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 04/15/2025 at 5:34 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 04/16/2025 at 2:43 م

    … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 04/17/2025 at 5:36 ص

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 04/19/2025 at 10:16 م

    … [Trackback]

    […] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 05/02/2025 at 2:18 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 05/03/2025 at 4:36 م

    … [Trackback]

    […] Here you can find 56688 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 05/31/2025 at 6:31 م

    … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 06/01/2025 at 7:26 ص

    … [Trackback]

    […] There you will find 69649 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 06/02/2025 at 11:11 م

    … [Trackback]

    […] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 06/18/2025 at 6:11 م

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you will find 22034 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 07/08/2025 at 12:09 ص

    … [Trackback]

    […] There you will find 81807 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 07/23/2025 at 12:38 م

    … [Trackback]

    […] There you can find 4982 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • 07/29/2025 at 11:45 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/07/أزمةُ-مياه-الحسكة-بين-الابتزاز-التركي/ […]

Comments are closed.