لا يكادُ يمرّ يوم، دون أن تُعلن فيه هيئة الصّحة في الإدارة الذاتيّة في شمال وشرقي سوريا عن حالاتٍ جديدة من الإصابات بفايروس كورونا المستجد، ليعود القلق مُجدداّ، مع ما يرافقه من إجراءاتٍ مفروضة، تهدف لتحقيق أكبر قدرٍ من التباعد الاجتماعي.
الارتباك الذي يحدث، مع الإعلان عن حالاتٍ جديدة، يمسّ حياة أبناء المنطقة بمختلف جوانبها الاجتماعية، الاقتصادية، الصحيّة، الجسديّة والنفسية على حدٍّ سواء، فترتفع معه مستويات القلق والتوتر بفعل مشاعر الخوف على النفس والمقرّبين من الإصابة أو الموت، والخشية من فقدان وسيلة كسب الرزق، يترافق ذلك مع شعورٍ بالعجز، وغيره من المشاعر التي قد تدفع البعض إلى ممارسة التّنمّر والوصم الاجتماعي بحق فردٍ مُصاب أو مجموعة أفرادٍ مُصابين.
تعاملٌ سيءّ من المجتمع والكادر الطبي.. والمُصابُ في حيرة!
«قاسيتُ ما قاسيته من ويلات الحرب، ووقفتُ مراتٍ عديدة وجهاً لوجه مع الموت، إلّا أنني لم أشهد قط كالذي شهدته من أذيةٍ نفسية في الأيام القليلة الماضية»، بهذه الكلمات تصف “ميديا سليم” (اسمٌ مستعار) ما لحِقها وعائلتها من تنمّر ووصمٍ بالعار، وهي إحدى محاربات فايروس كورونا التي تمرّ في المراحل الأخيرة نحو التعافي.
وتضيف: «بتُّ أخشى الخروج بضع خطواتٍ أمام المنزل، خوفاً من نظرات أهل القرية المريبة وكلامهم الجارح، فالحديث المُتداوَل بين الناس، هو أنا مَنْ نقلتُ الفايروس إلى منطقتنا، لقد رُبِط اسمي بالجائحة، وكأنّه عار!».
بذات التّصرّف، لكن بأسلوبٍ مُختلف، طالَبَ زملاءُ “سالار حسين” (اسمٌ مستعار)، إيّاه بالتّستّر على إصابته بالفايروس التاجي، خوفاً من إخضاعهم للحجر الصحّي، وبالتالي خسارة وظائفهم.
في حين عَمَدَ البعض منهم إلى اتخاذ موقفٍ سلبي منه، بعد إبلاغه عن مخالطته إيّاهم، كما وصفوه بـ «الجبان الذي يُضخّم الأمور» وفق ما أدلى به لـ (شار)، ويحارب “سالار” مع زوجته وابنته ووالده فايروس كورونا، ويخضعون معاً للحجر المنزلي على بُعدِ أيامٍ قليلة من التّعافي التام.
«بعض أهالي الحيّ، ينهَونَ أطفالهم عن اللعب أمام منزلنا، خوفاً من انتقال المرض إليهم» يقول “سالار”، ويضيف: «على الرغم من ذلك، نلقى دعماً كبيراً من الدائرة الاجتماعية المحيطة؛ من الأهل وبعض الجيران الذين يُصرّون على تلبية طلباتنا اليومية، نظراً لخضوعنا للحجر الصحي المنزلي».
بدورها، أَخْضَعَت “ميديا” نفسها للحجر الصحي في منزلها، ورغم عدم انتقال العدوى إلى أفراد عائلتها؛ إلّا أنهم لم يَسْلَموا مما طالها شخصياً «لقد فُصِل شقيقي الأصغر من إحدى دورات التقوية من قبل مُعلّمته بحجة انتمائه لـ(عائلة كورونا)» تقولها بانفعال.
«أحياناً أُفكّر بالهجرة؛ لأعيش في مكانٍ يُعامِلُني الآخرون بإنسانية حين أمرض» تقول لـ (شار)، وتوجّه انتقاداتٍ لهيئة الصحة في الإدارة الذاتية بكوادرها، فقد رفضت سيارةُ الإسعاف أن تُقلّها إلى المركز الصحي، وطلبوا منها استئجار سيارةٍ خصوصية، «لقد باتت “ميديا” تشكّل خطراً حقيقياً على أهالي المنطقة» هذا ما تناهى إلى مسامعها من حديثٍ متداول بين الكادر الطبي على حدّ قولها، وتُضيف بتهكّم: «إنها ليست طريقة تعامل مع مصابة بفايروس؛ بل كأنهم يتعاملون مع صاروخٍ حراريّ موجّه نحو المنطقة!».
بدوره، يشكو “سالار” من تردد الكوادر الطبية في فحصه مُبكّراً بعد ظهور الأعراض عليه على الرغم من اتصالاته المتكرّرة، «وهو ما كان سبباً مباشراً في نقلي العدوى إلى عائلتي» يقول بحسرة.
دور المجتمع المدني في رأبِ الصّدع المجتمعي المُحتَمل
تقول “روجين شاويش” المعالجة النفسية في مؤسسة (ژيان) لحقوق الإنسان: «يعاني المصاب بفايروس كورونا، نتيجة تعرّضه للتنمّر، من فقدان الثقة بالنفس، وفقدان الراحة، وجَلد الذات على انتقال العدوى إليه، ما يؤدي إلى ضعف مناعته الجسدية، ولجوئه إلى العزلة حتى بعد التعافي».
وتعزو “شاويش” الظهور المتزايد لحالات التّنمّر ضد المصابين بالفايروس، إلى «قلّة وعي المجتمع بطرقِ انتقال الوباء وسُبل الوقاية منه، الأمر الذي يجعل من هذا المجتمع؛ بيئةً خصبة للممارسات التّنمّريّة».
وتؤكّد في حديثٍ لـ (شار)، أنّ «استمرار التنمّر ضدّ المصابين، يُنبّئ بإفراز طبقةٍ اجتماعية منبوذة وهي طبقة المصابين بالفايروس؛ مقابل طبقة الأصحّاء، الأمر الذي سيُشكّل تهديداً للتماسك والسِّلم المجتمعيين، ما يضع على عاتق منظمات المجتمع المدني مهمة تعزيزهما بزيادة الوعي، ونشر ثقافة تقبّل الآخر، وغيرها من البرامج المدنية، وبذلك؛ فإنها ستُسهّل عمل المنظمات الإنسانية العاملة في الصحة العامة والنفسية وغيرها من المجالات ذات الصلة».
ما دورُ الإعلام في تخفيف التّنمّر ضد المُصابين؟
تُقارن الصحفية “آريا حاجي” مسؤوليات وسائل الإعلام في تغطية أخبار الجائحة، بين فترة (صفر) مصابين، والفترة الحالية التي تزداد فيها أعداد المصابين بشكلٍ يومي، وتقول: «يقع على عاتق الإعلام، المحلي منه على وجه الخصوص، التركيز بشكلٍ كبير على ما تتعرّض له الأعداد المتزايدة من المصابين بـ كوفيد19 من تنمّرٍ وإساءة، بعد أن اقتصرت مهمته على التعريف بالجائحة والوقاية منها وتداعياتها الاقتصادية على المجتمع».
وتضيف في حديثٍ لـ (شار)، «على وسائل الإعلام، توعية المجتمع بكيفية التعامل الأمثل مع المصابين، عبر إعدادِ لقاءاتٍ مع مختصين نفسيّين وإقامة حملات توعوية عبر منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي».
فيما يؤكّد الصحفي “جهاد درويش” على ضرورة حفاظ الصحفيين على خصوصية الأشخاص المصابين، وهو ما «يشكل جزءاً مهماً من حلّ المشكلة، وهو ما لم تلتزم به بعض الوسائل الإعلامية» حسب تعبيره.
ويُقول “درويش” خلال حديثه لـ (شار): «تعمّدت بعض المؤسسات الإعلامية إجراء تغطيةٍ مباشرة من أمام منزل أحد المصابين بالفايروس، بينما أجبرت وسيلةٌ أخرى أحد المصابين لإجراء مقابلة، دون الأخذ بعين الاعتبار إمكانية تعرّضه للتّنمّر والإساءة إليه من قِبَل محيطه الاجتماعي، خاصةً أن هذه المؤسسات، لم تلتزم بأدنى معايير حماية الخصوصية فحسب؛ بل نشرت بعضها معلومات المصابين الشخصية دون موافقتهم، وكلّ ذلك على مرأى ومسمع القانون الذي وقف عاجزاً عن محاسبة مرتكبي تلك التصرفات».
ويُرجِع “درويش” سبب ذلك، إلى «مُعضِلةٍ أخلاقية تعاني منها وسائلٌ إعلامية تُفضّل الحصول على سبقٍ صحفي على حساب الالتزام بمسؤولياتها المهنية والأخلاقية تجاه المجتمع، علاوةً على جهل العاملين في هذه الوسائل، بما قد يترتب على تلك الأفعال من أذى نفسي يطال المصاب بالفايروس، ويجعله عرضةً لمختلف أشكال التّنمّر والوصم الاجتماعي».
وعليه، يبدو أن منطقة شمال شرقي سوريا، لن تواجه وباءً يفتك بالصحة وحدها؛ بل قد يتطوّر ليفتك ببنية المجتمع, فظاهر الأمر هو أن التّنمّر والوصم الاجتماعي تجاه المصابين بالفايروس؛ سيكونان أحد عناوين المرحلة المقبلة التي تتطلّب تكاتفاً مجتمعياً، ووعياً بالمسؤولية، يعزّزه تضافر جهود مختلف المؤسسات المدنية والحكومية، بهدفِ إخراج المنطقة من عنق الزجاجة والتي تعاني أساساً من شحٍّ شديد في الموارد.
24 replies on “التّنمّرُ على مُصابي كورونا.. خطرٌ يُهدّد تماسك المُجتمع”
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 44249 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 67536 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 45537 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 65032 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 27669 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/08/التّنمّرُ-على-مُصابي-كورونا-خطرٌ-يُهد/ […]
Comments are closed.