ثَورٌ هائج، وحِصانٌ جامِح، ومخلبُ نَمِر وغيرها من الصور المعبّرة عن القوّة؛ رموزٌ لعلاماتٍ تجارية تسمى بـ «مشروبات الطاقة» وتنتشر إعلاناتها في مختلف المحطات التلفزيونية  وعلى شبكة الإنترنت، حيث تُظهِرُ رياضيين ومغامِرين ومتسلقيّ جبال في مواقفَ تحدٍّ وقوّة، مع عباراتٍ مُحفِّزة توحي للمشاهد كما لو أنّه سيستحيل بطلاً خارقاً إذا ما تناول هذه المشروبات.

تزدحم مُبرّدات المحال التجارية في شمال شرقيّ سوريا بمشروبات الطاقة، بمختلف الأشكال والأحجام والنكهات، وتتنوّع في علاماتها التجارية بين تلك العالمية الشهيرة، أو التي تطرح نفسها كبدائل لأصحاب الدخل المحدود؛ وهم السَّواد الأعظم من سكان هذه المناطق.

«بات من المستحيل أن تدخل بقالية ما، دون أن تَجِد نوعاً من مشروبات الطاقة؛ إنّها الآن مادة أساسية في بقاليتي وفي غيرها»، يقول “ريناس محمود” صاحب إحدى البقاليات (ماركت) بمدينة قامشلي.

ويضيف في حديثه لـ (شار ): «بحسب ملاحظتي، فإن الفئة العمرية الأكثر استهلاكاً لهذه المشروبات هي فئة المراهقين والتي تستهلك أنواعاً رخيصة الثمن من هذه المشروبات».

لذيذةٌ ولاذعة.. لكنها تُسبّب الإدمان

اعتاد الطالب الجامعي “لوند” 20 عاماً، أن يستهلك ثلاث علب (500 مل) إلى أربع علب (250 مل) من مشروب الطاقة يومياً، يقول في حديثه لـ (شار): «كنتُ أَستهلكُ مشروب الطاقة بشكلٍ يوميّ، وأثناء تقدّمي لامتحانات الشهادة الثانوية منذ عامين، وصل لما مجموعه لتر ونصف اللتر يومياً، فهي كانت تساعدني على التركيز والتّغلّب على النعاس، وخاصة الماركات العالمية المعروفة منها». 

ويضيف: «أحتسي مشروبات الطاقة قبل ممارسة رياضة كرة القدم أيضاً فهي -كما يقال- تُقلّل الشعور بالتعب والإرهاق وترفع من أداء اللاعب داخل المستطيل الأخضر».

لم يَنْفَكّ “لوند” يَصِفُ تلك المشروبات «باللذيذة، وذات الرائحة المميزة المُشهّية» وهي نفس الأسباب التي دفعت “ناز يوسف” 26 عاماً، لتجرّع علبةٍ بحجم نصف لتر يومياً، تقول لـ شار: «الطعم اللاذع، هو ما يشدّني إلى مشروبات الطاقة، إضافةً إلى أنها تُشعرني بالنشاط».

في حين يعتقد “أحمد يونس” الذي يستهلك ذات الكمية يومياً بعد وجبة العشاء بأنها «تسهِّل عملية الهضم، وتُشعرني بالراحة وتُعدّل مزاجي أيضاً» يقول الشاب الثلاثيني.

أضرار مشروبات الطاقة وفوائدها.. لمن الغَلَبة؟

تشهدُ سوق مشروبات الطاقة نموّاً ملحوظاً، ومن المتوقّع أن يزداد حجم السوق العالمية لهذا المنتج بنسبة 50% بحلول عام 2026، وذلك بحسب موقع (ستاتيستا) المختص ببيانات السوق والمستهلكين، وهو مؤشّرٌ واضح على زيادة في استهلاك هذه المشروبات، برغم التحذيرات المتكرّرة التي تصدر عن منظمات وهيئات صحية عالمية حول المخاطر المرتبطة باستهلاك مشروبات الطاقة.

حيث حذّرت منظمة الصحة العالمية، في وقتٍ سابق، من هذه المخاطر، وربطتها بشكلٍ رئيس بمادة الكافيين وهي من المواد المُنبِّهة للجهاز العصبي، ويتوفّر بشكلٍ طبيعيّ في القهوة والشاي وغيرها.

يؤكّد “لوند” إنه عانى في فترة استهلاكه المفرط من «اضطرابات في النوم، وفقدان الشهية مع ظهور بثور على اللسان»، كما عانت “ناز” من «آلام في المعدة» وفق ما أدلت به لـ (شار).

«محتوى الكافيين العالي في مشروبات الطاقة يُسبب قلّة التركيز، الأرق، قلّة النوم واضطرابات في الجملة العصبية، تنتج عنها سلوكيات عدوانية واضطرابات سلوكية أخرى، كما يسبب زيادة في معدّل ضربات القلب»، تؤكد الصيدلانية “نور علي” في حديثها لـ (شار).

وتضيف: «للكافيين تأثيرٌ مُدِرّ للبول، ما قد يسبب جفافاً لدى الرياضيين، كما يسبب زيادة الإفرازات الحمضية في المعدة، فتزداد حموضتها، وبالتالي تتسبّب باضطرابات في المري والمعدة، وغيرها الكثير من المشاكل الصحية».

ولا تنفي “علي” أن مشروبات الطاقة «تمنح نشاطاً مؤقتاً للجسم بسبب احتوائها على السكريات إلى جانب الكافيين، إضافة إلى الفيتامينات والأحماض الأمينية المفيدة للجسم»، إلّا أنها تشدّد على أن «الأضرار الدائمة التي يمكن أن تسبّبها هذه المشروبات، تفوق الفوائد بأشواط».

يتجاهل “لوند” التحذير المكتوب على علب مشروبات الطاقة (تجنّب تناوله مع الكحول)، وعن ذلك يقول: «أتجرّع بعض أنواع المشروبات الكحولية ممزوجة مع مشروبات الطاقة فمع التجربة، لم يحدث أن عانيتُ من تأثيرات سلبية تُذكَر».

بينما تؤكّد “علي” على مخاطر هذا التصرّف بالقول: «يقوم مشروب الطاقة، لما يحتويه من كافيين، بزيادة التنبيه، وبالتالي يخفّف من حالة السُكْر التي يسببها الكحول، ما يدفع الشارب إلى استهلاك المزيد من الكحول لزيادة الإحساس بالثمالة، وهو ما قد ينجم عنه أذية كبدية ناتجة عن الكحول».

قرارٌ بالمنع مُعَطَّل 

أصدرت منسقية الاقتصاد العليا (إحدى لجان هيئة الاقتصاد التابعة للإدارة الذاتية) أواخر عام 2017، قراراً يقضي بمنع استيراد مشروب الطاقة من ماركة (جست باور) تحت طائلة المساءلة القانونية، ورغم ذلك، انتشار تلك المشروبات في تزايدٍ مستمر.

في حديث لـ (شار)، استبعد “رمضان حسن” الرئيس المشارك لمديرية التموين وحماية المستهلك في قامشلي، ورود أي قرار بمنع تلك المشروبات.

وأرجع سبب ذلك، خلال حديثٍ لـ (شار) إلى ما أسماه بـ «سوء تنسيق إداري، بسبب إعادة الهيكلة التي بدأت بها هيئة الاقتصاد بخصوص مديريات التموين في آذار العام الجاري،  والتي تزامنت مع إجراءات الحظر الكلّي بسبب جائحة فيروس كورونا».

في وقتٍ وعد بتقصّي حقيقة القرار، قائلاً: «سنقوم بالتحرّي عن هذا القرار واتخاذ الإجراءات بناءً على ذلك، ولن نتوانى عن منع أيّة مادة تُلحق الضرر بالمواطنين»، مؤكّداً على أنّ التنسيق «مستمرٌ مع كل من هيئة الصحة والمديرية العامة للجمارك بشأن أيّة مادة مشبوهة نكتشف أمرها أو نُبلَّغ عنها من المواطنين».

إدمانٌ ثم تعافي

تقول “ناز” واصفةً بداية إقلاعها عن مشروبات الطاقة: «شعرتُ وكأنه ينقصني شيءٌ ما كان لا بدّ من وجوده ليكتمل يومي»، في حين عانى “لوند” في محاولاته الإقلاع عن استهلاك هذه المشروبات من «صداع وشعور مستمر بالتعب والإرهاق».

بينما لا يعتبر “أحمد يونس” نفسه مدمناً، ويُفضّل تسمية مواظبته اليومية على استهلاك الطاقة بـ «العادة» على حدِّ وصفه.

تُدْرِجُ “روجين شاويش” المعالجة النفسية في مؤسسة (ژيان) لحقوق الإنسان، إدمان مشروبات الطاقة تحت بند «الاضطرابات»، وتُعرّفه على أنّه «حالة نفسية وفيزيولوجية تُعبّر عن رغبة مستمرّة في الانخراط بسلوكٍ ما، أو استهلاك مادة ما على الرغم من نتائجها السلبية».

وتُحذّر “شاويش” خلال حديثها لـ (شار) من «تحوّل هذه العادة إلى ثقافة في المجتمع، وما لها من تداعيات على الصحة العامة». 

وتُضيف: «تنتشر هذه الظاهرة بشكلٍ كبير بين الفئة المراهقة، فالمراهق يبدأ بالتقليد، ثم يتحوّل التقليد إلى عادة ومن ثم إدمان، ليصير -مع انتشاره- ظاهرةً من الممكن نقلها إلى الجيل الذي يليه، ليتحول احتساء مشروبات الطاقة إلى عادة مقبولة اجتماعياً، وجُزءاً من ثقافة المجتمع، حالها حال القهوة والشاي حالياً».

لجأ كل من “ناز” و”لوند” إلى التخفيف التدريجي من استهلاك مشروبات الطاقة، لتنقطع “ناز” نهائياً عنها، وليعتدل “لوند” في استهلاكه في نهاية المطاف، وفق ما صرّحا به لمجلة (شار).

بدورها تشدّد الصيدلانية “نور علي” على نجاعة طريقة التخفيف التدريجي، وتنصح بـ «تناول الفواكه والخضراوات والإكثار من شرب الماء وممارسة التمارين الرياضية وخاصة المشي».

32 replies on “إدمان مشروبات الطاقة وخطر التحول إلى ثقافة”

  • … [Trackback]

    […] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 01/25/2025 at 8:08 م

    … [Trackback]

    […] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 01/26/2025 at 12:16 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 01/28/2025 at 10:53 ص

    … [Trackback]

    […] There you can find 14533 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 02/05/2025 at 1:16 م

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 02/11/2025 at 4:15 م

    … [Trackback]

    […] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] There you will find 50748 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 04/02/2025 at 1:57 ص

    … [Trackback]

    […] There you can find 34889 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 04/04/2025 at 3:22 ص

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 04/18/2025 at 3:46 ص

    … [Trackback]

    […] Here you will find 72505 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 04/21/2025 at 2:55 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 04/23/2025 at 1:50 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you can find 32050 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 05/21/2025 at 3:30 م

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 05/24/2025 at 8:16 م

    … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 05/26/2025 at 1:43 م

    … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 07/01/2025 at 6:49 م

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 07/07/2025 at 5:57 م

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 07/22/2025 at 5:44 م

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 08/05/2025 at 5:27 ص

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

  • 08/24/2025 at 10:31 م

    … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/11/إدمانُ-مَشروبات-الطّاقة-في-شمال-شرقي-س/ […]

Comments are closed.