تُعاني مناطق شمال شرقيّ سوريا أوضاعاً اقتصاديّة مُتَردّية، زادَ مِنْ حِدّتها؛ الهبوط المُستمرّ لقيمة الليرة السوريّة أمام العملات الأجنبيّة منذ أواخر 2019، لتأتي جائحة كورونا وتَضَعَ عَصاها في عَجَلة الاقتصاد، الأمر الذي ترك آثارها السلبية على العديد من المِهَن، خاصّة تلك التي تعتمد على الأجْر اليوميّ، وخَسِر العديد وظائفهم، ما زادَ بذلك نسبة البطالة المرتفعة أساساً.

في ظلّ هذه الظروف، يزداد إقبال سكّان هذه المناطق على القطاع العام في الإدارة الذاتيّة، أملاً بالحصول على وظيفةٍ لا تتأثّر بالإجراءات الاحترازيّة لمكافحة جائحة كورونا، كفَرْضِ القيود على الحركة، ولِما تؤمّنه هذه الوظائف من دخلٍ جيّدٍ مقارنةً بتلك التي تؤمّنها الوظيفة لدى الحكومة السوريّة، حيث تتراوح الرواتب الشهريّة لموظفي الإدارة بين (200) ألف ليرة سورية (ما يعادل 75$) و(400) ألف ليرة سورية (ما يعادل 150$) وفق آخر زيادة للأجور، وذلك في حزيران/يونيو 2020، بينما لا تتجاوز الرواتب الشهريّة لموظفي للحكومة السوريّة (80) ألف ليرة سورية (ما يعادل 30$).

«سنعاود الاتّصال بِك لاحقاً»

منذ عامين، تنتظر “ياسمين حسين” (29 عاماً) اتصالاً من هيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل في إقليم الجزيرة يُنْبِئُها بقبولها في وظيفةٍ ما.

تعمل “ياسمين” الحاصلة على الشهادة الإعداديّة، في محلٍّ لبيع ألعاب الأطفال في مدينة قامشلي، «يبلغ راتبي الشهريّ (50) ألف ليرة سوريّة (ما يعادل 20$) كحدّ أعلى» تقول لـ (شار)، وتضيف «هذا الراتب لا يكفيني البتّة، لذا أسعى لوظيفة لدى الإدارة الذاتيّة». 

يَصِف “محمد عثمان” (27 عاماً) شعوره بـ «العَجْز» لعدم تمكّنه من إيجاد عملٍ مناسب يعيل به عائلته، ويقول: «أعتمدُ حالياً على والدي وشقيقي في المصروف، ولكنْ فكرة كَوْني عاطلاً عن العمل تخنقني»، ويعبّر في حديثه لـ (شار) عن «نَدَمَهِ الشديد» لتفويت عدّة فرص أُتيحت له للهجرة.

“محمّد” حاصلٌ على الشهادة الثانويّة، ويسعى منذ أربعة أشهر للحصول على وظيفة لدى الإدارة الذاتيّة، بعد أنْ عانى من استغلال أرباب العمل في أعماله السابقة بالبِناء والمفروشات، بِحَسب ما أكّد لـ (شار).   

يعمل “محمد العلي” (32 عاماً) من ريف مدينة قامشلي، عتّالاً بالأجْرِ اليوميّ، وهو حاصلٌ على إجازة في الأدب الإنكليزيّ، وماجستير في التراث الشعبيّ، يقول: «قدّمتُ طلب توظيف إلى هيئة الشؤون والعمل منذ عام 2017 دون جدوى»، ويضيف في حديثه لـ (شار): «لكثرة المرّات التي راجعتُ فيها الهيئة، بتُّ أجِدُ حَرَجَاً في ذلك؛ كُلّ الموظّفين باتوا يعرفونني». 

الوظيفة الأشبه بالحُلم

وفق نظام توظيف جديد، تتلقّى هيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل التابعة للإدارة الذاتيّة في إقليم الجزيرة طلبات التوظيف عَبْر لجانها في البلدات والنواحي، وهي عبارة عن استمارات توضّح المؤهّلات العلميّة ومهارات مقدِّم الطَّلَب، وبِحَسب التقرير السنويّ لقسم التشغيل في الهيئة والذي شاركَتْهُ مع (شار)، فإنّ عدد طلبات التوظيف المقدّمة عام 2020 بلغ (1118) طلباً، ليصبح العدد الإجماليّ (19300) طلب توظيف منذ عام 2014 وحتى 14/11/2020 وهو تاريخ إصدار التقرير السنويّ.

«بناءً على الطَّلَبات الواردة من مختلف هيئات ومؤسّسات الإدارة الذاتيّة، ما عدا هيئة التربية وقِوى الأمن الداخليّ، نقوم بترشيح عدد من الأشخاص  مِمّن سَجّلوا مُسْبَقاً لدى الهيئة بالأفضليّة للأقْدَم، وبِحَسب الاختصاصات المطلوبة، ثمّ تقوم كُلّ هيئة بإجراء المقابلات لتختار حاجتها من هؤلاء المرشّحين»، وفق تأكيد نائب الرئاسة المشتركة لهيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل “جميل ضاهر” خلال حديثه لـ (شار).

واقع الحال يشير إلى أنّ «الإدارة الذاتيّة وصلتْ حدّ الاكتفاء مِن الموظفين» بِحَسب “ضاهر”، الّذي ينفي وجود خطّة واضحة لزيادة فُرَص العمل، مع بقاء وجود احتمال توفُّر شواغر ناتجة عن الاستقالة أو إعادة الهيكلة (أي استحداث مؤسّسات جديدة ضمن الإدارة) أو فتح مشاريع جديدة، وبالتّالي فإن فُرَص الحصول على وظيفة جديدة لدى الإدارة الذاتية صارت أشبه بالحُلم.

باستثناء العاملين في المؤسسات التعليميّة والأمنيّة والعسكريّة، فإنّ عدد الموظفين الحاليين في مؤسّسات الإدارة الذاتيّة في إقليم الجزيرة يبلغ (15850) موظّف/ة، ويقدِّر “ضاهر” أعداد مَنْ حَصَلوا على وظائف في إقليم الجزيرة منذ عام 2014 بثمانية آلاف شخص، ومَنْ لَمْ يحصلوا على فرصة التوظيف بحوالي ستة آلاف شخص.

ويُرْجِع “ضاهر” أسباب عدم القدرة على الوصول لأرقام دقيقة، إلى المشاكل التقنية و«حصول نسبة من المتقدِّمين على عمل في القطاعات العسكريّة والأمنيّة والتعليميّة، أو في القطاع الخاص، أو بسبب هجرة البعض منهم»، إضافةً إلى ما أسماه بـ «سوء تنسيق الهيئات معهم»، ويقول لـ (شار): «قبل اعتماد نظام الاستمارات، اعتادت بعض الهيئات على التوظيف بشكلٍ مباشر دون اللجوء إلى قوائمنا، وحتّى دون تقديم تغذية راجعة بعد تعيين المرشّحين من قِبَلِنا».

الواسطة كلمة سر التوظيف

«قيل لي أنّ الأولوية لعائلات الشهداء ثمّ للنساء ثمّ لِمَن أنهوا خدمة واجب الدفاع الذاتيّ، وأنا منهم، ولكنْ تبيّن أنّ الأولوية لِمَن لديه «واسطة»» يقول “محمد عثمان” واصفاً تجربته في الحصول على وظيفة عبر التسجيل في هيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل.

في حين تَعْزو “ياسمين”، خلال حديثها لـ (شار)، سبب عدم حصولها على الوظيفة إلى أنّها «لا تعرف مَنْ لديه النفوذ ليوظّفها» أُسوةً بِمَنْ سَمِعَتْ عن توظيفهم مِن خلال ما أسمتْهُ بـ «الواسطة».

مِنْ جانبه، يشكو “محمد العلي” من انتشار المحسوبيّات في التوظيف لدى الإدارة «حدث أنْ تمّ توظيف مَنْ تنافستُ معهم على نَفْس الشاغر، وكانوا أدنى تحصيلاً علميّاً مِنّي» يقول، ويضيف مستنكراً: «كيف يمكن لشخصٍ أنْ يحصل على وظيفة، وتاريخ تسجيله لدى «الشؤون» يلي تاريخ تسجيلي بسنوات! … كُلّ مؤسّسة تعمل على هواها». 

يُشير نائب هيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل، إلى غياب خطّة توظيف موحّدة لجميع هيئات ومؤسّسات الإدارة الذاتيّة، يقول: «لِكُلّ هيئة إجراءات ومعايير توظيف خاصّة بها وفق وضعها الخاص، مع وجود “كوتا” بنسبة (10) بالمئة لعوائل الشهداء، و(5) بالمئة لذوي الاحتياجات الخاصّة». 

ولا ينفي نائب الهيئة، انتشار المحسوبيّات ومحاباة الأقارب في التوظيف ضمن مؤسّسات الإدارة الذاتيّة، إلّا أنّه يؤكّد على انخفاض هذه الحالات بعد اعتماد نظام استمارات التوظيف.

يقول: «في عام 2020، صارت جميع عمليّات التوظيف، مركزيّة عبر هيئة الشؤون الاجتماعيّة والعمل، إذ لا يمكنْ لأية هيئة أو مؤسّسة أنْ توظّف أيّ شخص خارج قوائم الترشيح».

يبدو أنّ دائرة “الواسطة” لا تقتصر على المؤسسات الحكوميّة فَحَسْب؛ بَلْ تتّسع لتشمل المنظّمات الإنسانيّة العامِلة في المنطقة، بحسب “جودي” وهو اسم مستعار لطالبٍ جامعيّ يبلغ من العمر (24) عاماً من مدينة قامشلي.

يسعى “جودي” منذ أكثر من عام، للحصول على وظيفة في إحدى تلك المنظّمات دون جدوى «أنا لا أمتلك (فيتامين واو)» يقولها متهكّماً، في إشارة منه إلى “الواسطة” ويضيف في حديثه لـ (شار): «خُضْتُ اثنتي عشرة مقابلة عمل دون الحصول على وظيفة واحدة؛ إنّهم يستخدموننا شكليّاً لإكمال نِصاب المقابلات وفق معاييرهم، في حين أنّ صاحب الوظيفة مُحَدّد مُسْبَقاً».

في مطلق الأحوال، فإن انتشار البطالة بين فئة الشباب له أكبر الضرر في المجتمع، فبالإضافة إلى حرمان المنطقة من الطاقات الشبابيّة، واضطرار العديد منهم للهجرة، فإنّ العديد من الأمراض الاجتماعيّة تَظهر عند انتشار البطالة، وهو ما يَضَع الإدارة الذاتيَة أمام تحدّياتٍ قد لا تكون قادرة على تحمّل تبعاتها.

الأمر الذي يُضاعِف مِنْ مسؤولياتها في تأمين فُرَص عَمَل أكثر، مِنْ خلال توسيع المشاريع الحكوميّة والتشجيع على الاستثمار، وتقديم القروض، ودَعْم المشاريع الصغيرة، ومكافحة الفساد والمحسوبيّات والمحاباة المُسْتَشْرية ضمن مؤسساتها.

24 replies on “البطالةُ تُهدّد بقاء الشّباب في مناطقِ الإدارةِ الذّاتيّةِ.. والواسطةُ سرُّ التّوظيف”

  • 06/21/2023 at 6:24 م

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 07/21/2023 at 4:15 ص

    … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 01/25/2025 at 8:39 م

    … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 02/12/2025 at 6:19 ص

    … [Trackback]

    […] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 02/26/2025 at 9:16 ص

    … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 03/07/2025 at 4:20 م

    … [Trackback]

    […] Here you will find 20973 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you will find 29487 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 03/28/2025 at 4:57 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 04/11/2025 at 2:17 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 05/03/2025 at 9:11 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 05/03/2025 at 2:42 م

    … [Trackback]

    […] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 05/10/2025 at 10:40 ص

    … [Trackback]

    […] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 05/30/2025 at 11:56 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 06/07/2025 at 12:15 ص

    … [Trackback]

    […] There you can find 45372 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 09/05/2025 at 4:21 م

    … [Trackback]

    […] There you will find 80485 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

  • 09/11/2025 at 5:19 ص

    … [Trackback]

    […] There you will find 60943 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/البطالةُ-تُهدّد-بقاء-الشّباب-في-مناطق/ […]

Comments are closed.