تسبّبت قلة الأمطار  وشحّها هذا العام، في مناطق شمال شرقي سوريا، بإلحاق أضرارٍ كبيرة بالمحاصيل الزراعية البعلية، لا سيما القمح الذي يُعدُّ المحصول الرئيس وعصب الاقتصاد في المنطقة.

تنقسم الأراضي الزراعية في إقليم الجزيرة إلى ثلاث مناطق، تبعاً لكميات  الهطولات المطرية والإنتاج الزراعي:

  • منطقة الاستقرار الأول خط العشرة المحاذي للحدود السورية التركية شمالاً وجنوباً إلى الخط الدولي M4، وكمية الهطولات المطرية ٤٠٠مم.
  • منطقة الاستقرار الثاني والثالث التي تقع ما بين الخط الدولي M4 والخط السياسي، وكمية الهطولات المطرية 150مم.

شح المصادر المائية البديلة عن الأمطار

رغم السماح لهم  بالاستفادة من مياه السّدود والأنهار لريِّ أراضيهم، إلا أن مزارعو إقليم الجزيرة يتخوّفون من أضرارٍ قد تُلحَق بالموسم الزراعي، بسبب قلّة الهطولات المطرية وصعوبة نقل المياه من السدود والأنهار إلى أراضيهم، مع خشيتهم من إنتاجٍ لا يغطي تكاليف الزراعة من بذار ومبيدات حشرية وأسمدة.

يتفقّد المزارع  “رياض الأحمد” ٦٠ عاماً، أرضه الزراعية التي أهلكها العطش، ويراقب عن كثب مراحل نمو المحصول الزراعي، أملاً بأن يعوِّض جزءاً من خسارته.

إذ يعتمد “الأحمد” في إعالة أسرته المؤلّفة من 10 أفراد، على منتوج أرضه البالغ مساحتها ٧٠٠ دونماً،  المزروعة بمحاصيل بعلية، مثل القمح والشّعير والكزبرة. 

ينتظر المزارع الستيني كغيره من مزارعي قرية “ديرونا  آغي” شمالي ناحية “جل أغا” بصيص أمل لإنقاذ موسمه الزراعي.

 يقول لـ (شار): «تحوّلت بعض الأراضي المزروعة بمحصول القمح، إلى مراعي، بسبب افتقار المنطقة للمصادر المائية البديلة عن مياه الأمطار».

ويضيف: «أنفقتُ ما يزيد عن عشرة ملايين ليرة سورية تكاليف زراعة الأرض، من بذار وأسمدة ومبيدات حشرية».

ويؤكّد “الأحمد” أن بعض المزارعين تكبّدوا خسائر مالية كبيرة، بسبب رش المبيدات الحشرية دون جدوى، إضافةً إلى شراء البعض  مولّدات كهربائية من نوع (بتر) وخراطيم لاستجرار مياه الأنهار لسقاية محاصيلهم.

مطالباً الإدارة الذاتية بضرورة توفير مصادر مائية بديلة والاستفادة من مياه السدود عن طريق قنوات مائية، للاستفادة منها خلال سنوات الجفاف.

وأكّد “الأحمد” أن مساحة الأراضي الزراعية البعلية التي تعرّضت للجفاف هذا العام، بلغت ٢٠ ألف دونم في قرية “ديرونا آغي” وحدها، مُشيراً إلى عدم وجود أي حلول أو خطط لإنقاذ المواسم  الزراعية الواقعة ضمن خط الاستقرار الأول (خط العشرة) ذات الإنتاج الجيد.

تكاليف باهظة لسقاية المحصول 

مبالغ كبيرة وصلت لنحو 8500 دولار، دفعها المزارع “عمر  رمضان” لحماية ٢٤٠٠ دونم هي مساحة أرضه التي زرعها بمحصول  القمح، الكزبرة، الكمون، حبة البركة، الحمّص، العدس والشّعير.

فقد اضطرّ “رمضان” وهو من أهالي “تربه سبيه”، للاعتماد على نظام الري بالرذاذ وإنقاذ ما تبقّى من محاصيله البعلية المتهالكة.

يقول لـ (شار): «انتظرُ كل يوم على ضفاف النهر القريب من أرضي، لمراقبة المياه التي تتجمع من الينابيع ومياه الأمطار القديمة وأستفيد منها في سقاية محصولي الزّراعي».

ويُضيف: «منذ عام ٢٠١٨ لم تشهد المواسم الزراعية أي استقرار في الإنتاج، بسبب الجفاف والحشرات الضارة التي قضت على نحو ٥٠٪ من الإنتاج خلال الموسم الماضي، إضافةً إلى الحرائق التي التهمت آلاف الدونمات من المساحات المزروعة».

ودعا “رمضان” الإدارة الذاتية بالسماح للمزارعين  بحفر الآبار، لتكون بديلةً عن مياه الأمطار في مواسم الجفاف.

تصوير: بيروز بريك/ أرشيف المجلة

المهندسون الزراعيون ينتقدون

«كان من الممكن تدارك خسارة المواسم الزّراعية في إقليم الجزيرة، خاصة في قرى وبلدات “تربه سبيه” و”جل آغا” مع وجود سبعة سدود في المنطقة ، متوسط السعة التخزينية لكل سد  ١٢ مليون متر مكعب من المياه، لكن جهود الاستفادة منها كانت ضئيلة وضعيفة»، يقول  المهندس الزراعي “أحمد عبدالله” لـ (شار). 

ويضيف: «الغاية من تخزين المياه خلف السدود، هي الاستفادة منها خلال  سنوات الجفاف، لكن هذا الأمر لم يحدث في مناطقنا، علماً أن كمية المياه المخزّنة كافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحصة المائية».

بشتى الوسائل، حاول الحاج “شكري العمر” إنقاذ محصول الكمون الذي زرعه ضمن مساحةٍ تقدّر بـ 90 دونماً في قرية “البشرية” بريف “تربه سبيه” جنوبي خط M4 الدولي، لكن دون جدوى.

وبسبب قلة الأمطار، سيضطرّ الرجل السبعيني هذا العام إلى الاستغناء عن المحصول، وتهيئة أرضه لزراعة محصول جديد في الموسم القادم.

«تضرّر الموسم الزّراعي العام الماضي، بسبب حشرة (السونة) التي هاجمت المحاصيل ولم تبقِ منها إلا القليل، أما في الموسمين اللذين سبقاه، فالتهمتْ النيران مساحة ٣٠٠٠ دونم من محصولي الزراعي، وفي هذا العام؛ يبدو الجفاف سيُهلِك المساحات المزروعة ونتكبّد خسائر كبيرة كما في الأعوام السابقة»، يقول الحاج “العمر”.

ويؤكّد في حديثٍ لـ (شار): «لا يسمح بحفر الآبار ضمن الأراضي  البعلية، ونحتاج لدعمٍ من الجهات المعنية، لاتخاذ خطوات سريعة وإسعافية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه».

غلاء الأسمدة والمواد العضوية مشكلة أخرى تواجه الفلاحين

حلول إنقاذ المحاصيل من الجفاف، دائماً ما تكون محدودة لدى المزارعين ومُكلفة بالنسبة للبعض، كالمزارع “عبدالحكيم السلامة” من أهالي “تربه سبيه” الذي اضطرّ إلى حفر بئرٍ ارتوازي لسقاية أرضه المزروعة بمحصولي القمح والكزبرة، خلال مواسم الجفاف.

«اضطررتُ لتشغيل البئر مؤخراً لريّ محاصيلي ضمن مساحة تقدر بـ 145 دونماً، لكن ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة؛ كلّفني الكثير من الأموال التي ربما لن تُعوّض حتى لو نجحت في بيع المحصول بعد الحصاد»، يقول “السلامة” لـ (شار).

مُطالباً لجان الزراعة في “تربه سبيه” بضرورة توفير الأسمدة للمزارعين والسماح لهم بتأجيل سداد ثمنها.

منطقة الاستقرار الثالث الواقعة بين الخط الدولي M4 والخط السياسي، ليست بأفضل حال عن سابقاتها، فالموسم الزراعي قد انتهى قبل الحصاد، وتحوّلت معظم المساحات المزروعة إلى مراعي.

«زرعتُ هذا العام 300 دونم بمحصول القمح، لكن بسبب شحّ الأمطار بقيت البذار تحت الأرض ولم تنبت»، يقول “عدنان عايد” مزارع من ريف “تل كوجر” التابعة لمقاطعة قامشلو.

ويُضيف المزارع الأربعيني خلال حديثه لـ (شار): «المنطقة تفتقر للمصادر المائية، وليس باستطاعة المزارعين حفر الآبار الارتوازية، بسبب ارتفاع تكاليفها، مع غياب الدعم المالي من الجهات المعنية».

ودعا “عايد” الإدارة الذاتية بضرورة دعم المساحات المروية المزروعة بمحصول القمح، وتوفير الأسمدة بنظام التأجيل وليس بنظام النقد،  مع زيادة سعر شراء القمح من الفلاح، لتعويض الخسارة التي تكبّدها المزارع هذا الموسم.

هيئة الزراعة تردّ على الفلاحين

مساحاتٌ هائلة من الأراضي الزراعية تُقدّر بنحو 103000 دونم تعرّضت للاحتراق خلال العامين الماضيين في مناطق شمال شرقي سوريا، بحسب “سلمان بارودو” الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة في شمال وشرق سوريا.

“بارودو” أكّد أن حوادث احتراق الأراضي تراجعت خلال العام الفائت، بفضل الخطوات التي اتخذتها هيئة الاقتصاد والزراعة، والمتمثّلة برش حرم الطرقات الرئيسة بالمبيدات، للتخلص من الأعشاب الزائدة والضارة، وتوزيع الإطفائيات اليدوية سعة ١٢ كغ على المزارعين في  المناطق الأكثر عرضةً للحرائق، بالإضافة إلى تخصيص فريق خاص بالطوارئ في معظم البلدات والمدن، للتدخل السّريع وإخماد الحرائق في حال حدوثها.

وبحسب الرئيس المشترك لهيئة الاقتصاد والزراعة، فإن مساحة الأراضي الزراعية  البعلية في شمال وشرق سوريا بلغت ١١٩٧٢٠١ هكتار، والمروية ٥٨٨٥٣٢ هكتار، بمجموع يساوي٧٣٣  ١٧٨٥ هكتار.

مُضيفاً أن مساحة الأراضي البعلية في إقليم الجزيرة وحدها،  بلغت ٨١٩٥٠٠ هكتار، والمروية ١٤٥٥٠٠ هكتار بمجموع ٩٦٥٠٠٠ هكتار .

وأوضح أن هيئة الاقتصاد والزراعة وفّرت للمزارعين والفلاحين عن طريق لجان الزراعة في النواحي والبلدات، المازوت والأسمدة والبذار  اللازمة وفق بطاقات ومستحقات كل مزارع وفلاح، كما سمحت لهم باستجرار مياه السدود والأنهار  لسقاية محاصيلهم.

وعن حفر الآبار الارتوازية، أكد “بارودو” خلال حديثه لـ (شار)، ان الهيئة سمحت للمزارعين بحفر الآبار، بشرط ألا تقلّ مساحة الأرض الزراعية عن 150 دونماً.

وتحتاج الأراضي البعلية المزروعة بمحصول القمح إلى هطولات مطرية بمعدل ٤٠٠مم سنوياً، و٢٥٠مم لمحصول الشّعير، في حين أن كمية الهطولات المطرية هذا العام لم تتجاوز 150 مم، وهي كميةٌ غير كافية لإنتاج موسمٍ زراعي جيد، بحسب خبراء زراعيين.

ووفق كل الأرقام آنفة الذكر، فإن نسبة 80٪ من الأراضي الزراعية البعلية في شمال وشرق سوريا تحوّلت إلى مراعي، بسبب قلة الأمطار .

في وقتٍ طالب المزارعون الإدارة الذاتية بضرورة دعم الأراضي المروية المزروعة بمحصول القمح، وزيادة ثمن شراءه، بهدف تعويض الخسائر التي تكبّدها المزارعون.

22 replies on “انهيار المواسم الزراعيّة في مناطق الجزيرة ”

  • 07/05/2023 at 4:45 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] There you will find 23294 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 01/25/2025 at 2:32 م

    … [Trackback]

    […] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 01/27/2025 at 4:54 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] There you will find 23632 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 03/12/2025 at 2:45 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 03/12/2025 at 12:29 م

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 03/13/2025 at 11:16 ص

    … [Trackback]

    […] Here you can find 77696 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 03/21/2025 at 10:18 ص

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 03/31/2025 at 2:40 م

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 04/02/2025 at 1:14 م

    … [Trackback]

    […] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 06/06/2025 at 2:49 م

    … [Trackback]

    […] There you will find 8488 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 06/19/2025 at 12:46 ص

    … [Trackback]

    […] There you can find 54703 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

  • 08/21/2025 at 12:35 م

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/انهيار-المواسم-الزراعيّة-في-مناطق-الج/ […]

Comments are closed.