بعد مرورِ عَقدٍ على الحربِ في سوريا، وما رافقتها من نتائج كارثية على الحالة العامة، لايزال التعليم من أكثر الملفات تداخلاً وتعقيداً في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري وفي عموم الشمال السوري تحديداً، كذلك في دول الجوار التي تأوي لاجئين، مع غياب حلٍّ يساهم في رسم ملامح مستقبل جيلٍ بأكمله.

 منذ بدايات تأسيس الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا وعبر هيئة التربية والتعليم، بُذِلت جهود كبيرة لإعادة تأسيس هيكلية المؤسسة التعليمية، بغية سدِّ الفراغ الذي نتج مع  انسحاب النظام السوري وتعطّل عمل مؤسساته آنذاك في جميع المناطق التي باتت الآن تُدار من جانب الإدارة الذاتية المُشكّلة من مختلف مكونات المنطقة.

عملت هيئة التربية والتعليم التابعة للإدارة الذاتية على فتح المدارس ومتابعة العملية التعليمية، في تحدٍّ واضح لظروف الحرب وغياب أي حلولٍ أخرى، لكن تلك التجربة تسببت بتلقي الإدارة  جملةً من الانتقادات، بسبب نقص الكوادر والمحتوى المؤدلج لبعض المواد، إضافةً إلى تخوّف أبناء المنطقة على مستقبل أبنائهم التعليمي.

حاولت الإدارة الذاتية معالجة المشكلة من زوايا مختلفة، تحديداً في مناطق الغالبية العربية التي حُرِّرت مؤخراً من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث لاقت صعوبات فيها؛ تحديداً بمدينة الرقة بعد التحرير ودير الزور حالياً، بسبب رفض الأهالي المناهج المعتمدة لدى الإدارة، ورغبتهم باعتماد مناهج اليونيسيف والتي تحتوي القليل من المعلومات البسيطة لاعتمادها في حالات الطوارئ فقط.

لكن تجربة هيئة التربية والتعليم في منبج كانت ناجحة نسبياً، بعد إيجاد آليةٍ لدمج عددٍ من مواد المناهج المعتمدة لدى كلٍّ من المعارضة والنظام السوري والإدارة الذاتية، بالتنسيق مع لجان من العاملين السابقين في القطاع التعليمي، كحلٍّ يفضي الى إرضاء جميع الأطراف واعتمادها مواداً للتدريس، عبر الاستعانة بعاملين في السلك التدريسي من أبناء تلك المناطق، نتج عنها استمرار التعليم واستيعاب أكبر عددٍ من الطلاب بعد فترات انقطاعٍ طويلة واعتمادها في مناطق مختلفة.

أما في المناطق الكُردية، فوضع التعليم مغايرٌ تماماً عن باقي المناطق آنفة الذكر، بسبب وجود عددٍ من المدارس التي تعتمد مناهج النظام السوري، ما أدى لحدوث إشكالياتٍ حول طريقة قبول الطلاب فيها، تحديداً الإنجيلية منها، بهدف الضغط على الأهالي وإجبارهم على  إرسال أبنائهم إلى مدارس الإدارة الذاتية والتي تعتمد اللغة الكردية في المنهاج المدرسي.

رغم محاولة الإدارة الذاتية تطوير هيئة التربية والتعليم، عبر استحداث عددٍ من الأكاديميات تُخرّج وتؤهّل المعلمين، إضافةً إلى تطوير محتوى المناهج التدريسية وتأسيس عددٍ من الفروع الجامعية لمتابعة التعليم باللغة الكردية، وتأمين فرص عمل للخريجين، إلا أن ذلك لم يمنح الثقة للكُرد بمؤسسات الإدارة التعليمية، ما دفع بالبعض منهم لإرسال أبنائهم إلى مدارس داخل مناطق سيطرة النظام السوري، بهدف الحصول على شهادةٍ معترفٍ بها، تعتمدها مؤسسات النظام من ضمن الوثائق المطلوبة في جميع المعاملات الرسمية، ومن ضمنها الشهادات الممنوحة للمراحل الإعدادية والثانوية، بالإضافة للوثائق الجامعية في جميع دول العالم.

اعتماد الإدارة الذاتية مناهج باللغة الكردية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وإلغاء تدريس مناهج النظام السوري حتى في المعاهد الخاصة؛ أدى إلى تزايد مخاوف شريحةٍ واسعة من طلاب المرحلة الثانوية في عدم قدرتهم على متابعة تحصيلهم العلمي ضمن الجامعات السوريّة، خاصةً بالنسبة لطلاب الفرع العلمي، وبالتالي تبقى المتابعة ضمن جامعات الإدارة الذاتية الخيار الوحيد أمامهم.

ضمن جملة الانتقادات التي وَجّهتها أطراف سياسية إلى الإدارة الذاتية، هو اعتمادها على اللغة الكردية في التدريس، وبالتالي حرمان آلاف الطلبة من إكمال تعليمهم، بسبب عدم وجود أي قانون رسمي يعترف باللغة الكردية على أنها لغة رسمية في سوريا ومعترف بها في المدارس والجامعات.

بنفس الوقت، يتلقّى الطلبة السوريون في عددٍ من مناطق المعارضة السورية مناهج الدولة التركية أو مناهج المعارضة السورية، غير المعترف بها، بالإضافة إلى ضمِّ تركيا جميع الطلاب السوريين إلى المدارس الرسمية التركية واعتمادها المناهج المعتمدة لديها إسوةً بالمواطنين الأتراك منذ عام 2014. مما يشكّل عبء إضافي على العملية التعليمية، إضافةً لالتحاق أعداد هائلة من اللاجئين المقيمين في إقليم كردستان العراق بجامعات الإقليم التي تعتمد مناهج باللغة الكردية (صوراني، باديني)، ما يعني وجود عدة تفرّعات لمشكلة التعليم، ليست فقط ضمن حدود سوريا الجغرافيّة؛ وإنما تتعدى إلى الدول التي تأوي لاجئين سوريين وكيفية تعامل النظام السوري مع تلك الشهادات الممنوحة والاعتراف بها.

بالتالي، يبدو أن مشكلة الاعتراف بالشهادات الممنوحة للطلاب السوريين، لا تقتصر على مناطق الإدارة الذاتية؛ بل تشمل جميع من أكملوا ويُكمِلون تعليمهم خارج مناطق سيطرة النظام السوري، وعملية الاعتراف بالتحصيل العلمي؛ ستبقى معضلة ومرتبطة بالحل السياسي العام في سوريا، في حال لم تتمكّن الجهات الدولية من إيجاد حلٍّ لتحييد التعليم عن الصراعات السياسية بين جميع الأطراف، عبر إيجاد صيغةٍ منطقية لتقريب المحتوى العلمي للمناهج المدرسية في سوريا، مع مراعاة خصوصية القوميات والأديان الموجودة.

جميع الأطراف السياسية الكردية، طالبت وتطالب بضرورة الاعتراف باللغة الكردية واعتبارها لغةً ثانية في سوريا بعد اللغة العربية، وإلزام التعليم بها ضمن المناطق ذات الأغلبية الكردية؛ إلا أنها لم تُقدِّم أيّ مشروعٍ منطقي يوضح المحتوى العلمي للمواد وآلية تأهيل الكوادر التعليمية. 

ومع كل الانتقادات الموجّهة للإدارة الذاتية، لم تطرح الأخيرة خطة بديلة تفضي إلى حلٍّ منطقي لمشكلة التعليم؛ بل على العكس من ذلك، باتت هذه المسألة (التعليم) تُستَثمَر وتُستَغَل ضمن الملفات السياسية الخلافية.

رغم وجود قنوات للتواصل المباشر بين الإدارة الذاتية والنظام السوري، للاتفاق على العديد من الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية، لكن يُهمَل ملف التعليم على اعتباره من الملفات الثانوية، وتأجيله لحين التوصل لحلولٍ جذرية للحرب السورية. 

بالتالي، كان بإمكان الإدارة الذاتية الاهتمام بالقطاع التعليمي عبر إقناع الممولين الدوليين بضرورة العمل على محتوى المناهج بما يلائم طبيعة التنوع اللغوي في المنطقة، أو استحداث معاهد تدريبية على المناهج وطرائق التدريس، كسبيلٍ لإعداد مدرسين أكفياء. 

وكذلك تشجيع المنظمات المحلية وإقناعهم بتنفيذ مشاريع تعليمية موحّدة، عبر برامج تدريبية وخطط تدريسية، وليس فقط تنفيذ أعمال ترميم وتقديم خدمات لوجستية إسوةً بالقطاعات التنموية والإغاثية، كل ذلك؛ ربما كان سيُشكّل ورقة ضغط للاعتراف بشهادات الطلاب في مناطق الإدارة الذاتية وإنقاذهم من المصير المجهول.

 يبقى السؤال دائماً، عن ماهية مستقبل آلاف الطلاب السوريين وكيفية إيجاد حلٍّ توافقي بهدف هيكلة المؤسسات التعليمية في شمال وشرق سوريا، والاعتراف بسنواتٍ من التعلّم في ظروف الحرب البائسة. 

24 replies on “عَنْ مُستقبلِ التَّعليمِ المجهول في سوريا”

  • 06/15/2023 at 1:24 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you can find 92871 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 01/25/2025 at 4:07 م

    … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 01/28/2025 at 7:06 ص

    … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 01/31/2025 at 3:20 ص

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 02/25/2025 at 4:21 ص

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 02/28/2025 at 5:38 ص

    … [Trackback]

    […] There you will find 32465 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 02/28/2025 at 1:52 م

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 03/09/2025 at 8:09 م

    … [Trackback]

    […] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 03/19/2025 at 7:35 م

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 03/20/2025 at 9:02 م

    … [Trackback]

    […] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 03/31/2025 at 5:38 ص

    … [Trackback]

    […] There you will find 22494 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 04/26/2025 at 4:24 ص

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 05/10/2025 at 4:36 ص

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 05/15/2025 at 3:16 م

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 05/21/2025 at 6:22 م

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 05/31/2025 at 5:38 م

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 06/05/2025 at 7:23 م

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 07/01/2025 at 7:07 م

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 07/23/2025 at 6:06 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 07/30/2025 at 7:58 م

    … [Trackback]

    […] There you can find 1406 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • 08/18/2025 at 5:40 ص

    … [Trackback]

    […] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/04/عَنْ-مُستقبلِ-التَّعليمِ-المجهول-في-س/ […]

Comments are closed.