تسبب هجوم الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له، على مدينة عفرين وريفها ربيع 2018، بتهجير آلاف العوائل الكردية ونزوحها إلى مدنٍ مختلفة في شمال شرقي سوريا.
قلةٌ من تلك العوائل اعتمدت على المساعدات الإنسانية المقدّمة إليها، سواء من المنظمات المحلية أو الخيّرين، أما القسم الأكبر، فاعتمدت على نفسها في تأمين معيشتها.
الأعمال التي يمارسها مهجّرو عفرين في أماكن نزوحهم، تختلف باختلاف نوع المهنة أو العمل الحر الذي كان يمارسه في مسقط رأسه، وتوزّعت بين مهنة الخياطة، الحلاقة، بيع الألبسة، بيع الخضروات، النجارة، تصليح الأدوات الكهربائية وغيرها الكثير من الأعمال التي ساهمت في تأمين حياةٍ كريمةٍ لهم.
ففي حي “الوسطى” بمدينة قامشلو، استطاع “صلاح إيبو” قبل عدة أشهر، فتح محلٍّ لبيع الألبسة النسائية والرجالية.
“إيبو” الذي نزح من عفرين إلى منطقة الشهباء ثم إلى قامشلو، عمل منذ مجيئه قبل عامين في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية، ولأن الراتب الذي كان يتقاضاه لم يكن ليكفي تكاليف معيشة أسرته، اضطرّ للعمل بعد دوامه في محلٍّ لصيانة الكومبيوتر.
الانطلاقة الصِّفرية
لكن كل ذلك، لم يقف حائلاً دون التفكير بإطلاق مشروعٍ خاص يعيل به عائلته، فكان القرار الذي توصّل إليه، هو فتح محلٍّ لبيع ألبسة تصافي الماركات، لرخص أسعارها مقارنةً بجودتها.
«عندما راودتني هذه الفكرة وبدأت بدراستها، لم أكن أملك سوى 600 ألف ليرة، وهو مبلغٌ لا يكفي لدفع آجار المحل لشهرين فقط، والذي يبلغ 150 دولاراً»، يقول “إيبو” لـ (شار).
لكنه كان مصمماً على إطلاق مشروعه، فكان الحل بالاقتراض أولاً ثم إدخال شريكٍ معه، لتخفيف النفقات عليه.
نوعية الألبسة وجودتها بالإضافة لرخص أسعارها، حقق لصاحب المحل شهرة خلال فترةٍ وجيزة، وكسب الزبائن، «لم أكن أتوقّع نجاح المشروع بهذه السرعة»، يؤكّد “إيبو” الذي تمكّن بعد نحو 6 أشهر من تسديد جزءٍ من الديون المترتبة عليه.
كغيرها من المهن الحرة، تواجه مهنة بيع الألبسة صعوبات تتعلق بعدم القدرة على تأمين كمياتٍ كافية من البضاعة خلال مواسم البيع، ما يتسبب بتكدّسها مع تأخّر وصولها في الوقت المناسب.
ومع اقتراب نهاية فصل الصيف، يحاول “إيبو” إعلان بيع الألبسة الصيفية بأسعارٍ مخفّضة، لتأمين مبلغٍ يعينه على شراء ألبسةٍ شتوية وعرضها مع بداية فصل الشتاء.
«مستلزمات محلات الألبسة كثيرة، وتحتاج لرأسمالٍ بشكلٍ دائم، ليكون باستطاعتي مواكبة السوق»، يختتم “إيبو” حديثه لـ (شار).
المثابرة والنجاح
حال “شيروان عبد الحنان” لم يكن أفضل من حال “صلاح إيبو”، فهو الآخر بالكاد كان يؤمّن مصروف عائلته منذ مجيئه إلى مدينة قامشلو عام 2018، لكنه نجح بفضل إصراره في إطلاق مشروعٍ خاصٍ به.
يمتلك “عبد الحنان” خبرة عشرة أعوام في مهنة كهرباء السيارات، لذلك عَمِل بداية نزوحه لدى إحدى الورش الصناعية في قامشلو، براتبٍ شهري يكفي لإعالة أسرته.
لكنه لم يتوقّف عن التفكير بضرورة افتتاح مشروعٍ خاص، مستفيداً من علاقاته التي بناها مع أصحاب الورشات والمحلات الكبيرة في سوق الصناعة بالمدينة، الذين قدّموا له المساعدة من خلال تقسيط أثمان البضائع التي يشتريها منهم وعرضها في محله الذي خصصه لبيع القطع الكهربائية.
«الخبرة والتواصل والتعامل اليومي مع أصحاب محلات السوق الصناعية، ساعدتني في إطلاق هذا المشروع، ولم أكن أملك سوى قليلٍ من المال»، يقول “عبد الحنان” لـ (شار).
ويضيف: «في البداية جلبت المواد الأساسية من القطع الكهربائية، والتي تباع بكثرة، وضمن إمكانيات محدودة، لعدم قدرتي على تزويد المحل بكافة البضاعة اللازمة».
رفوفٌ أقل وإصرارٌ أكبر
المحل الذي يحمل اسم (مركز عفرين) يحتوي على رفوفٍ قليلة، معروضٌ عليها قطع تبديل لكهرباء السيارات، في حين يفتقد لكثيرٍ من المواد الرائجة في سوق الصناعة والتي تباع بكثرة، يقول: «ليس بمقدوري توسيع البضاعة، والموجودة حالياُ من النوع الخفيف».
كمعظم المستأجرين في أسواق قامشلو عامة والصناعة خاصة، يشكو “عبد الحنان” من ارتفاع أجرة محله وصعوبة تأمينها، لكن رغم ذلك؛ استطاع بعد نحو عامٍ ونصف من تسديد جميع ديون أصحاب محلات بيع الجملة والأقساط المترتبة عليه، وتكوين رأسمالٍ بسيط قوامه تلك البضاعة التي يعرضها اليوم فوق رفوف محله المتواضع.
صانع ثم صاحب مشروع
أما “ميرخاز مجيد” فحكايته مع النزوح، شبيهةٌ بعض الشيء بقصص باقي مهجّري مدينة عفرين.
فـ “مجيد” الذي تعلّم مهنة النِّجارة منذ عام 2004، أُجبِر على العمل صانعاً في عدة ورشات الموبيليا بمدينة قامشلو، قبل أن يستأجر قبواً في حي “قناة السويس” شرقي المدينة، ويشتري بعض اللوازم الضرورية بنحو ستة آلاف دولار، ويفتتح ورشته الخاصة.
لم يستطع “مجيد” في البداية تسديد أي جزءٍ من ذلك المبلغ الضخم بالنسبة إليه، لكنه كان يعوّل على العقد المسبق الذي اتفق عليه مع أحد التُجار الكبار وأصحاب المحلات الكبيرة التي تعرض الأثاث المنزلي، والعقد يتضمن تصنيع عدد كبير من غرف الأطفال وديكورات المطبخ والأبواب.
«لو لم يكن هناك عقد عمل يحقق لي تأمين أساسيات الورشة، لما كنت قادراً على تأسيس مشروعي»، يقول “مجيد” لـ (شار).
يصنع “مجيد” في هذه الورشة، الأبواب والشبابيك الخشبية وديكورات المطبخ، وغرف نوم الأطفال، إضافةً إلى تصليح القطع المستعملة.
بعد نحو عامين من العمل، تمكّن “مجيد” من تسديد الأقساط المتبقية من ثمن معدات ورشته، ليبدأ مرحلةً جديدة من توسيع مشروعه الذي بدأه من الصفر.
25 replies on “الانطلاقةُ من الصِّفر.. مهجّرو عفرين في قامشلو يطلقون مشاريعهم الصغيرة”
… [Trackback]
[…] There you can find 8280 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 51114 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 18911 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 26525 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 36739 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 67909 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/08/الانطلاقةُ-من-الصِّفر-مهجّرو-عفرين-في/ […]
Comments are closed.