يقف “خوشمان” أمام أنواعٍ مختلفة من الأقمشة مترقّباً، علّه يحظى ببعض الزبائن على قلّتهم، ليؤمّن احتياجات أسرته اليومية، فبضاعته تناسب ذوي الدخل المحدود ولا تحتاج لرأسمال كبير، يبيع يومياً كميةً قليلة من الأقمشة النسائية رخيصة الثمن.
«هناك جمود في حركة البيع، فالارتفاع المستمر لأسعار صرف الدولار؛ أثّر على كل شيء في حيوات الناس، وحدهم العوائل التي لها أبناء في المهجر لديهم القدرة على الشراء»، يقول “خوشمان” الأب لثمانية أطفال.

ويتابع خلال حديثه لـ (شار): «ارتفاع أسعار المحروقات وصرف الدولار، بات عائقا أمام انتعاش الأسواق، وما زاد من معاناتنا، هي قلة إنتاج الموسم الزراعي وإجراءات الحظر بسبب كورونا».
المهنة التي تطوّرت
لطالما كانت مهنة البائع الجوال مألوفة في المنطقة، فهو ذاك “العطّار” الذي كان يجول الأرياف ويقايض البضائع بالمنتجات القروية كالبيض والقمح، ثم تطورت هذه المهنة باختلاف الظروف وتطور الحياة.
فإلى جانب كونها تساعد الباعة على تأمين معيشتهم، فإن مهنة البائع الجوال تؤمّن بضاعة رخيصة، مقارنةً بما يعرض في الأسواق.
في الوقت الحالي، قلَّ عدد الباعة الجوالين ممن يمتلكون سيارات تجوب القرى والأرياف، بسبب سوء الظروف الأمنية وارتفاع تكاليف الوقود وتصليح السيارات، فكان الحل بتنظيم أسواقٍ شعبية في المدن والبلدات، كما هو الحال في سوق الأحد بمدينة عامودا، وسوق الثلاثاء في بلدة “جل آغا“، والنصيب الأكبر لتلك الأسواق يكون في قامشلو موزّعة بين أحياء المدينة، وفق ساعات وفتراتٍ محددة.
أسواقٌ تحتضن الباعة الجوالين
اتساع رقعة هذه الأسواق على حساب الأسواق الكبيرة في مراكز المدن، جاء مع تدني القدرة الشرائية للسكان، فضلاً عن حصولهم على طلبهم بأسعارٍ مقبولة تناسب دخلهم.
على بُعدِ عدة أمتار من “خوشمان” في الشارع الذي تتكدّس على جانبيه بسطات الباعة وعرباتهم بسوق الخميس، ينشغل بائع الأحذية “سليمان“، 50 عاماً، بالحديث مع إحدى النسوة التي تفاصله على سعر حذاءٍ تعاينه وتقلّبه بين يديها.
«أتقاضى ٩٠ ألف ليرة سورية من وظيفتي الحكومية، وهو مبلغٌ لا يكفي أربعة أيام، لذلك اضطرُّ للعمل خارج أوقات دوامي في محلٍّ ضمن أحد الأحياء الشعبية، وبسبب حركة البيع والشراء شبه المعدومة، ألجأ إلى عرض بضاعتي في الأسواق الشعبية»، يقول “سليمان” وهو موظفٌ لدى الحكومة السورية، متزوج ولديه خمسة أولاد، يسكنون في بيتٍ بالأجرة، يعمل بائعاً متجوّلاً لبيع الأحذية.
يحاول “سليمان” وهو يشتري بضاعته من محلات الجملة، أن يختار ما يناسب زبائن الأسواق الشعبية ذوي الدخل المحدود، يؤكّد لـ (شار): «تغيّرت البضاعة من حيث الجودة، فسابقاً كنت أشتري من حلب، لأن جودتها أفضل من البضاعة الإيرانية والتركية التي أشتريها في الوقت الحالي بسعرٍ منخفض».
فُرص عمل للمرضى
فرصة عمل ثمينة وفّرتها الأسواق الشعبية لـ “محمد طاهر” الذي يمنعه وضعه الصحي من القيام بأعمالٍ متعبة، بسبب إجرائه عملية (ديسك) في ظهره، فكان بيع الأدوات المنزلية متجولاً في الأسواق الشعبية أفضل حلٍّ لتامين قوت عائلته.
يقول لـ (شار): «عملي جيد الحمد لله ومناسب جداً، عدة ساعات وأعود إلى منزلي، محدودو الدخل يقصدون هذا السوق، لأن أسعارنا تُعدُّ أرخص من أسعار باقي أسواق مركز المدينة، لولا فرصة العمل هذه، لكان الوضع صعباً جداً بالنسبة إليّ».
تصوير: ديرسم عثمان
فرصة عملٍ مشابهة وفّرتها الأسواق الشعبية لـ “محمد حسن” من ذوي الاحتياجات الخاصة، يبيع الخضروات والفواكه على بسطة في سوقٍ يسمى (سوق العربايات الجديد)، مع ذلك لا يبدو متفائلاً بوضع الباعة المنتشرين في أرجاء المكان، يقول لـ (شار): «لا يوجد ضمان لعملنا هنا، فقد نُقِلنا إلى هذا المكان من مكانٍ سابق، فلا رخصة لنا ولا ضمان من نقلنا لمكان آخر مرةً أخرى».
استغلال تجار الجملة
يتنقّل “أكرم علي” بين الحارات والأسواق الشعبية، بائعاً جوالاً ينادي على بضاعته المقتصرة على بعضٍ من أنواع الخضروات والفواكه، لكنه يشكو من استغلال تجار الجملة، ما قد يعرضه لمشاكل مع التموين.
«أسعار بضاعتنا أقرب إلى أسعار الجملة، لكن أرباحنا قليلة، بسبب فساد تجار الجملة الذين يتلاعبون بالفواتير، إذ يبيعون بأسعارٍ منخفضة، بينما يبيعوننا بسعرٍ أعلى، ما يجعلنا نخسر في بعض الأحيان»، يقول “علي” لـ (شار).
ويشاركه الرأي، الشاب “شيرو” بائع الذرة في (سوق عربايات الخضرة الجديد)، يقول لـ (شار): «أعمل في هذا السوق منذ ٨ سنوات، الفواتير المزوّرة أثّرت على أرباحنا، مع ذلك نحن مجبرين على التعامل معهم حتى لا نتوقف عن العمل، من الضروري أن يؤدّي التموين مهامه في مراقبة تاجر الجملة والأسعار التي يفرضها على الباعة».
تسهيلات وخدمات متفاوتة
يؤكّد معظم الباعة وأصحاب البسطات لـ (شار)، على أن مؤسسات الإدارة الذاتية تقدم لهم التسهيلات، خاصة بعد نقلهم من أماكن تجمهم السابقة، وتحصيل رسومٍ رمزية.
غير أن خدمات نظافة الأسواق، تتفاوت من سوقٍ شعبي لآخر، ففي حين تُنظّف البلدية مخلّفات سوق “محمقية“، إلا أنها تهمل إزالة الأوساخ المتراكمة الناتجة عن سوق الخضرة الجديد، ما قد يتسبب بمشكلة صحية في منطقة مزدحمة بالسكان، لا سيما خلال فصل الصيف.
يقول “محمد حسن” مُشيراً إلى ضعف الخدمات في (سوق العربايات الجديد): «هناك تقصيرٌ كبير من البلدية، فأكوام النفايات تشوّه منظر السوق، ولا توجد حاويات قمامة».
ويضيف: «نقلونا إلى محلات بعيدة عن سوق الخضرة الأساسي، حيث لا يوجد كهرباء ولا ماء، حتى المحلات التي وزّعتها البلدية ضيقة، كذلك يتخوّف الباعة من رفع تسعيرة أجارها كما حصل في أسواق أخرى، لذلك غادره أغلب الباعة وفضّلوا بيع بضاعتهم أمام الجامع».
بينما يطالب “شيرو” بوضع مظلات تحمي الباعة من أمطار الشتاء وحر الصيف، مع بقائهم ساعات طويلة في السوق.
17 replies on “الأسواق الشعبية.. فرص عمل في ظل الأزمات المعيشية”
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 41412 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 55634 additional Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 27574 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2021/10/الأسواق-الشعبية-فرص-عمل-في-ظل-الأزمات/ […]
Comments are closed.