من الصعوبات التي تواجه الفئة الشبابيَّة في روج آفا وعموم شمال وشرق سوريا، هي التجنيد الإجباري أو ما تسمية الإدارة الذاتية بـ“واجب الدفاع الذاتي” الذي بات إلزامياً على من أتمَّ الثامنة عشر من عمره، ولم يستثن من هذه الخدمة لا الشبان من الطلبة الجامعيين ولا الموظفين في مؤسسات الإدارة الذاتية، فالجميع ملزم بالالتحاق بهذا الواجب المفروض من الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا منذ العام 2014.
ترك فرض التجنيد تأثيراً سلبياً على حياة الجيل الناشئ والمنهك من الحرب الدائرة منذ سنوات مضت، فاختار البعض الهجرة، فيما استسلم البعض الآخر للأمر الواقع والتعايش معه رغم مرارة الظروف المعيشة.
شبان يروون تجاربهم:
عمر محمد البالغ 18 عاماً الذي تعرض للاعتقال مرات عدة وهو لم يبلغ سن البلوغ بعد في مدينة قامشلو من قبل الشرطة العسكرية وتم نقله إلى مراكز التجمع الكائنة في مدينة الحسكة. اعتقاله لواجب الدفاع الذاتي أجبر والده على مراجعة الهيئات المعنيَّة في الحسكة مرَّاتٍ عدَّة لتقديم الإثباتات التي تؤكد عدم بلوغ ابنه السن القانوني، ليتم الإفراج عنه بعد أسبوعين من الاعتقال، حيث توقفت دراسته خلال فترة الحجز. اضطر عمر للهجرة إلى تركيا بسبب كابوس التجنيد الذي لاحقه على مدار سنتين، ليختار طريق أوروبا الوعر والمليء بالمصاعب، أملاً منه في رسم مستقبل جديد لحياته.
لا يختلف حال علي أحمد 18 عاماً من سكان قامشلو (اسم مستعار) عن حال عمر، الذي اختار الآخرُ أيضاً طريق الهجرة إلى أوربا، يقول علي لـ شار: “كنتُ أتحاشى حواجز الشرطة العسكرية داخل المدينة أثناء بدء الحملات العسكرية بداية كل ثلاث أشهر تجنباً للاعتقال وسوقي إلى أكاديميات التدريب، التي يبقى فيها الطالب لأسبوع كامل إلى حين التأكد من بياناته وأوراقه.”، ويضيف: “كانت والدتي تعيش القلق منذ لحظة مغادرتي المنزل إلى مركز الدورات العلمية (البكالوريا) إلى حين عودتي للمنزل، تتصل بي عدة مرات للاطمئنان عليّ، إلي حين اتخاذ أبي قراره المصيري، والذي انتهى ببيع منزلنا من أجل تسفيري خارج البلد والخلاص من ذلك الكابوس، الذي كدنا بسببه أن نفقد أخانا البِكر أيام الخدمة الإلزامية لدى الحكومة السورية طيلة ثلاث سنوات.”
الهاجسُ الأكبر:
أما أحمد الحربي مواليد العام 1998 والذي لم يشمله قرارالإعفاء الأخير، القرار الذي أعفي بموجبه الشبان ممن تولد أعوام 1990 إلى 1997 من واجب الدفاع الذاتي. يقول الحربي: “أنهيت دراستي الجامعية العام المنصرم، ولازلت أحتفظ بأيام معدودة من التأجيل الدراسي الخاص بواجب الدفاع الذاتي، وعند انتهاء التأجيل يتوجب علي الالتحاق وقضاء عام كامل في الخدمة وحمل السلاح، وهذا سيؤثر على مخطط حياتي ومستقبلي وسيضاعف من التزاماتي المادية، التي لطالما حافظت عليها لتأمين مصاريف الزواج ومشروعٍ صغير أجني منه قوتي“، يضيف: “يتوجب علينا كطلبةٍ جامعيين تقديم التأجيلات الدراسيّة لكلتا الجهتين سنوياً “الإدارة الذاتية والحكومة السورية“، ويُراودني شعور الخوف من الاعتقال بعد انتهاء دراستي، فتأمين سبب مقنع للتأجيل أمر بالغ الصعوبة في مناطق الإدارة الذاتية“.
ويشير الحربي إلى: “ضرورة تغيير الخدمة الإجبارية إلى طوعية، أو التقليل من مدة الخدمة وزيادة الأجور الشهرية للذين يلتحقون بواجب الدفاع الذاتي، ولا سيما المتزوجين منهم مقارنة بدول الجوار، وهذا هو الأفضل لجميع الشباب، والحفاظ على الطاقات الشبابية المتبقية داخل البلد، ومنعها من التفكير بالسفر كما هو الحال بالنسبة لي.”
رغم الأوضاع الاقتصادية الصعبة للمعلم “محمد جاسم” إلا أنه تجاوب مع التبليغ الرسمي الذي وصله من مكتب الدفاع في مدينة الرقة والتي تطالبه بالالتحاق نهاية العام 2020 .
كان“محمد جاسم” قد نزح من مدينة الرقة إثر هجوم تنظيم داعش على المدينة عام 2014 مستقرَّاً في مدينة سري كانييه، ثم التحق بوظيفة في سلك التربية والتعليم عام 2016 وبعد إعلان قانون الدفاع الذاتي في شمال وشرق سوريا حصل على تأجيلٍ كونه معلم لدى هيئة التربية والتعليم، التي كانت تمنح المعلمين في كل عام تأجيلاً مؤقتاً نتيجة حاجة التربية المُلحة آنذاك للخبرات العلمية بداية انطلاقة العملية التربوية والتعليمية في الإدارة الذاتية نهاية العام 2015.
بقي هاجس التجنيد يرافق “جاسم” حتى عودته إلى مدينته الأم “الرقة“، ومن هناك ورد اسمه ضمن قائمة المعلمين في هيئة التربية للالتحاق بخدمة واجب الدفاع الذاتي بعد أن نفدت جميع التأجيلات التي حصل عليها طيلة مدة عمله في سلك التعليم.
يقول جاسم “التحقتُ بواجب الدفاع الذاتي وتركتُ وظيفتي كمعلم في هيئة التربية، حيث تحول دخلي الشهري من 260 ألف ل.س من راتب معلم إلى 70 ألف ل.س راتب مجند في صفوف قوات الحماية الذاتية“.
مضيفاً: “أثر التحاقي بشكلٍ كبير على عائلتي وأطفالي الخمسة الذين تركتهم خلفي وحدهم في المنزل من غير معيل، مما أدى إلى تدهور وضع عائلتي من الناحية الاقتصادية وغيابي عنهم، حيث كنت ألتقي بهم خمسة أيام خلال شهر ونصف الشهر“.
وبعد مروره بتجربة صعبة يدعو “جاسم” الجهات المعنية إلى مراعاة أوضاع الموظفين في المؤسسات وتخفيض مدة الخدمة للمعلمين بشكل خاص، حتى لا يتأثر المعلم من الناحية المادية، وكذلك زيادة الأجور الشهرية للمجندين في قوات الحماية الذاتية ولا سيما المتزوجين منهم.
واقع النزوح وهمّ التجنيد يرافق النازحين:
“لا نهرب من واجب الدفاع الذاتي، فهو هامٌ لحماية منطقتنا، لكننا هُجِّرنا من مدينتنا، كنا نتمنى أن نقوم بواجب الدفاع فيها، واليوم أصبحنا ملزمين برعاية وإعالة عوائلنا المهجرة من أرضنا المحتلة، في ظل واقع اقتصادي صعب”، هذا ما يقوله “محمد عبد العزيز” 20 عام، من أبناء مدينة سري كانييه. والذي يقيم في حي المفتي بالحسكة.
يقول خضرلـ شار: “كنت أعمل في محل صغيرٍ لبيع الخضاروأعيل أمي وأبي المريض بعد نزوحنا من مدينتنا، فكيف لي أن أترك والدتي ووالدي المريض والتحق بواجب الدفاع الذاتي في ظل هذا الوضع الاقتصادي المتردي؟! ناهيك عن إعاقتي في أذني اليسرى التي لم يعترف بها أحد، فأنا شبه محبوس في البيت، ولم أخرج منذ العيد المنصرم بسبب انتشار دوريات الشرطة العسكرية على الطرقات والحواجز الرئيسة ومداخل المدن، وخوفاً من الاعتقال وسوقي إلى الخدمة، ويبقى والديَّ المسنَّان دون معيل كما أني لا أعرف إلى متى سيطول هذا الحال.”
أكَّد شبَّانٌ آخرون بأن الإدارة الذاتية لم تقم بمراعاة الظروف التي فرضها عليهم التهجير القسري، واحتلال مدينتهم وأريافها. يقول “فؤاد محمد” 21 عام من مهجّري سري كانييه: “إن قرار فرض التحاق أبناء سري كانييه بواجب الدفاع الذاتي “مجحف.”
ويقتصر مطلب الشباب من أبناء سري كانييه والمناطق المحتلة بأن تقوم هيئة الدفاع في شمال شرق سوريا، بإعادة دراسة قرار سوق أبناء المناطق المحتلة لواجب الدفاع الذاتي، مطالبين بمنحهم الإعفاء، ومراعاة الظروف القسرية والقاسية التي ألزمتهم على التهجير والبحث عن حياة بديلة في ظروف صعبة لاستمرار حياتهم.
“قانون واجب الذاتي يجب أن يكون كاسمه “خدمةً ذاتية طوعية” وليست إجبارية، إضافةً إلى ذلك يفترض أن يقدم مقابلاً ماديَّاً جيداً في حال التحق الشخص من تلقاء نفسه بواجب الدفاع الذاتي” بحسب “يوسف حمدان ” وهو نازح من سري كانييه، الذي يتابع القول: “لا أطالب بإلغاء الدفاع الذاتي، ولكن أطلب تغيير آليته من الإجبارية إلى الطوعية، عندئذ سيكون هناك إقبال كبير من الشبان على الواجب العسكري“، ويضيف بأن: “قانون واجب الدفاع الذاتي آليته صعبة جداً، ويتخوف منه الشباب لاعتبارات عدة من طول مدة منح الإجازات، وكذلك الدورات التدريبية في المعسكرات التي تستمر لمدة 50 يوماً، وكل ذلك مقابل أجرمادي ضعيف جدا،ً وبالتالي فالشاب أمام ضياع عام و30 يوم من عمره في ظل الظروف الاقتصادية المتردية، وإذا كان هناك تعديل لقانون واجب الدفاع الذاتي وآليته الحالية فسيلتحق الكثير من الشباب المتخلفين عن الخدمة، وسيتمكنون من التعايش مع الواقع الجديد، لذا يتوجب على الجهات المعنية تغيير آلية القانون للأفضل وتخفيف بنوده ومراعاة ظروف الشباب الصعبة.”
يذكر أن “مكتب الدفاع لشمال وشرق سوريا” كان قد أصدر قراراً ينص على منح المكلفين من أبناء المناطق المحتلة (سري كانييه وتل أبيض وعفرين) استثناءً بتأجيلهم من واجب الدفاع الذاتي لعام كامل، وهي مدن هجّر أهلها بعد احتلال تركيا لها، إلا أن القرار لم يعد نافذاً بعد قرار الإعفاء الأخير الذي حدد المواليد المطلوبة لواجب الدفاع الذاتي.
وكانت الإدارة الذاتية قد قررت إعفاء من هم دون مواليد 1998 من الالتحاق بواجب الدفاع الذاتي (التجنيد الإجباري) بعدما كانت سابقاً تشمل من هم من مواليد 1990 لغاية مواليد 2003.
وأصدر “مكتب الدفاع في شمال شرق سوريا” القرار رقم (3)، القاضي بإعفاء المواليد من 1990 إلى 1997 من أداء واجب الدفاع الذاتي، ونوه المكتب في قراره، أن “المواليد المطلوبة لخدمة الدفاع الذاتي مَن أتمَّ الثامنة عشرة لغاية مواليد 1998″ولم يشمل القرار “مَن هم على رأس عملهم والفارين من قوات سوريا الديمقراطية وقوى الأمن الداخلي والانضباط العسكري“، بحسب مكتب الدفاع.
يلقى القانون رفضاً شعبياً لما له من تأثير على دفع الشباب للهجرة، ومنع آخرين من العودة إلى المنطقة لاسيما ممن لجؤوا إلى دول الجوار، في نفس الوقت يدعو ناشطون وحقوقيون إلى إلغاء التجنيد الإجباري، وتحويل الموارد المخصصة له إلى قطاعات خدمية واقتصادية يحتاج إلى المواطنون، إذ يشكل التجنيد استنزافا للفئة الشبابية، ويوفر أسبابا إضافية تشجع هذه الفئة على الهجرة، ففي ظل وجود قوات عسكرية تطوعية تسند إليها مهام الدفاع وخوض العمليات العسكرية يصبح التجنيد الإجباري عبئا وعائقا كبيرا أمام تحقيق أية تنمية مستقبلية في المنطقة.
32 replies on “الشباب والتجنيد الإجباري: بين “الواجب” واستنزاف الطاقات”
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 69621 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 37848 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 23820 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] There you can find 30116 additional Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 25490 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 60948 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 15970 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/الشباب-والتجنيد-الإجباري-بين-الواجب/ […]
Comments are closed.