عندما كان أقرانه يحلمون بأن يصبحوا أطباء ومهندسين في المستقبل، كما معظم أطفال هذه البلاد، كان لـ ميرو حلم وحيد وهو أن يكون رائد فضاء، فتلك الصور التي كان يشاهدها على شاشة التلفزيون علقت في مخيلته وأراد أن تُلتقط له مثلها يوماً ما، لكن مع تقدمه بالعمر وفهمه لبعض الحقائق اكتشف إن هذه البلاد لا تسع حلمه، وعليه أن يتنازل عنه فيما لو أراد البقاء هنا.

“منذ صغري كان طموحي أن أكون رائد فضاء، لكن بعد ذلك اكتشفت أنه لا يمكنني تحقيقه في سوريا، كون الكرد ممنوعين من دراسة الطيران والعلوم السياسية”. يقول الشاب العشريني لـ شار.

ينحدر ميرو كالو (22 عاماً) من مدينة عفرين، التي تسيطر عليها فصائل تابعة لتركيا حالياً، وفي مطلع العام 2011 ومع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا ضد النظام الحاكم، هاجر برفقة عائلته إلى نيويورك في الولايات المتحدة الأميركية، وإلى جانب حقيبة ملابسه كان يحمل معه حلمه الذي تخلى عن موطنه لأجله.

وفقاً لتقرير الأمم المتحدة الصادر في مارس/آذار من العام 2021، أي بعد عقد من الصراع في سوريا، بلغ عدد اللاجئين السوريين في الخارج أكثر من 5.6 مليون لاجئ، 60% منهم من النساء والأطفال، وحينها قال فيليبو غراندي، مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن سوريا أصبحت أكبر أزمة إنسانية وأزمة لاجئين في عصرنا، وهي سبب مستمر لمعاناة الملايين.

ميرو ليس الوحيد الذي هاجر طمعاً في تحقيق حلم راوده منذ طفولته، بجين الحسن (29 عاماً) هي أيضاً شابة من قامشلو، وكانت متنقلة بين مدينتها والعاصمة دمشق، لكن حلمها والرغبة في الوصول لمستقبل مغاير عن البقية دفعها إلى اتخاذ قرار الهجرة.

هاجرت الحسن برفقة عائلتها في العام 2014 من سوريا، وأنهت دراسة الماجستير في إدارة الأعمال اختصاص موارد بشرية من جامعة العلوم التطبيقية بمدينة ايمدن، في ألمانيا.

تقول الحسن لـ شار إن “أجواء عدم الاستقرار في سوريا عامة وشمال شرق سوريا خاصة والتي بدأت بالظهور، دفعني أنا وأهلي الخروج من هذه الدائرة الضيقة لتأمين مستقبل أفضل لنا في الخارج”، وتضيف: “طمعاً في مقومات حياة أفضل”.

لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد المهاجرين من مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، وسط تقديرات إن العدد أكثر من مليون ومئات الآلاف من الأشخاص.

إلى ذلك، تقول الرئيسة المشاركة لهيئة العمل والشؤون الاجتماعية في الإدارة الذاتية، هندرين سينو: “إن الإدارة الذاتية لم ترغب يوماً أن تشهد المنطقة هجرة أي شخص، وترغب في تشجيع المهاجرين على العودة، إلا أن الحصار والحرب التي تستهدف المنطقة والإدارة الذاتية هي حقيقة لا مفر منها.”

وبعد وصوله إلى الولايات المتحدة الأميركية، بادر ميرو بتعلم اللغة ليتقرب أكثر من مراده، ومطلع العام 2018 بدء بدراسة الجامعة فرع إدارة الطيران، وإلى جانبها درس العلوم السياسية، وهما الفرعان اللذان كان محروماً من دراستهما بسوريا، بحسب وصفه، وتزامناً مع دوامه الجامعي، ارتاد الشاب العشريني مدرسة طيران للتدرب وحصل على شهادتين منها.

بجين التي أنهت دراستها في ألمانيا، رغبت في نقل تجربتها في الاندماج إلى بقية اللاجئين والمهاجرين، وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام 2020، كرمتها المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، بعد تأسيسيها لمجموعة إلكترونية تجيب عبرها على استفسارات اللاجئين القادمين حديثاً إلى المانيا، وتساعدهم على تعلم اللغة.

 

وليس ذلك فقط بل أن الرئيس الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، كرمها أيضاً في مطلع كانون الأول/ديسمبر من العام الفائت، بوسام استحقاق جمهورية ألمانيا الاتحادية وهو أعلى جائزة شرفية مكتسبة في خدمة الوطن والمجتمع، بحسب ما تعرفه الحكومة الألمانية.

أواخر العام الفائت، تخرج الشاب العفريني من الجامعة وحاز على المرتبة الأولى في جامعته، حتى إنه تخرج قبل الوقت المحدد، ويقول: “أعمل على دراسة الماجستير حالياً، والمطلوب من الإدارة الذاتية افتتاح مدارس و جامعات وتشجيع الصغار و الشباب على الدراسة”، ولا يستبعد العودة يوماً ما، لكن ذلك اليوم ليس الآن نتيجة ظروف الحرب، بحسب قوله.

وتدعو المسؤولة في الإدارة الذاتية المغتربين إلى العودة، وتقول إن إدارتها ستشجعهم: “ولن تكون عائقاً في مشاريعهم هنا على أرض الوطن”، وتشير إلى إنه بوجود: “طاقات الشبيبة لكان الوضع أفضل حالياً في روج آفا”، بحسب قولها.

من جانبها تدعو بجين الحسن الإدارة الذاتية: “لتقديم التسهيلات والخدمات والموافقات لأي عمل كان أو وظيفة أو مشروع، تسهيل العمل لأبناء المنطقة وتشجيع العقول”، وتقول إنها تفكر بالعودة، كونها أكملت تعليمها وأسست نفسها وبنيت قاعدة قوية ستساهم في مساعدة الأهل في شمال شرق سوريا.

حالياً تدير بجين منظمة Transfer of knowledge، وتسعى لإطلاق مشاريع جديدة لخدمة المرأة، وتضيف: “لقد أسست منظمة لتمكين النساء اللاجئات من روج آفا في ألمانيا وأسعى للعودة قريباً للعمل على مشاريع تُعنى بتطوير وتمكين المرأة في روج آفا”، بحسب ما قالته لـ شار.

 

22 replies on “هجرة الشباب والخروج من الدوائر الضيقة”

  • … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 07/09/2023 at 6:51 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 08/05/2023 at 1:39 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 08/25/2023 at 1:14 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 01/24/2025 at 8:00 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 02/05/2025 at 2:59 ص

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 03/26/2025 at 7:03 م

    … [Trackback]

    […] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 03/28/2025 at 5:31 ص

    … [Trackback]

    […] There you can find 58593 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 03/30/2025 at 9:34 ص

    … [Trackback]

    […] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 04/19/2025 at 6:04 م

    … [Trackback]

    […] Here you will find 33926 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 05/01/2025 at 5:32 م

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 05/03/2025 at 2:27 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 06/07/2025 at 2:47 ص

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 06/21/2025 at 3:10 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 07/06/2025 at 1:20 م

    … [Trackback]

    […] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 08/01/2025 at 12:34 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 08/21/2025 at 6:00 م

    … [Trackback]

    […] There you will find 83601 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

  • 08/29/2025 at 2:25 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2022/01/هجرة-الشباب-والخروج-من-الدوائر-الضيقة/ […]

Comments are closed.