تحت زخات المطر، تدفع “جوهرة محمود” من سكان قرية “المناجير” بريف سري كانييه، المياه المُتجمّعة بعيدةً عن خيمتها الصغيرة داخل مخيم “التوينة” الذي أنشأته الإدارة الذاتية شمالي الحسكة وأسمته مخيم “واشوكاني” ، لإيواء نازحي سري كانييه وريفها، وبلدتي كري سبي وزركان، في مشهدٍ يختصر بعضاً من حال الهاربين من القصف التركي في هذا الشتاء المُبكّر. 

«أكثر ما يؤرق القاطنين في المخيم، هو دخول المياه لخيمهم وهو ما يعني غرق الفراش والثياب، فضلاً عن الأمراض التي ستلحق بهم» تقول المرأة ذات أربعةٍ وثلاثين عاماً. وتضيف بألم: «نخشى عدم النجاة من الشتاء في هذا المخيم، البردُ شديدٌ وهذه الخيم لا تمنح الدفء، لقد قتلنا البرد».  

وصلت عائلة “جوهرة محمود” المؤلّفة من زوجها وأربعة أطفال إلى المخيم، بعد احتلال الجيش التركي والفصائل السورية الموالية له، مدينتي سري كانييه وكري سبي وريفيهما، وكغيرها من  النازحين حديثاً، استلمت عائلة “جوهرة” خيمة وبطانيات وإسفنجات ومدفئة، لكن رغم ذلك تعاني هذه العائلة كما باقي العوائل النازحة من نقص الخدمات.

«هناك نقصٌ في الخدمات والطعام وتأمين الحاجات،  لا نتلقّ سوى وجبة طعامٍ واحدة في اليوم (برغل، وشوربة أو رز وشوربة) منذ قدومنا إلى هنا ليس هناك سوى هذه الوجبة» تقول وتضيف بحسرة: «لا أحد هنا يستطيع إعداد الطعام في خيمته، فلا يوجد غاز ولا أدوات المطبخ، لم نأكل وجبةً ساخنة منذ قدومنا، هناك مطبخٌ عام تابعٌ للمخيم يتم فيه إعداد الوجبة اليومية ثم توزيعها  على النازحين». 

نقص الخدمات وجعٌ يُضاف على ألم النّزوح

في هذا المخيم الذي تديره الإدارة الذاتية، ليس الطعام وحده هو المشكلة، وإنما هناك منغّصاتٌ أخرى تقضّ مضجع “جوهرة” وغيرها من النساء القاطنات ها هنا.

«هناك حمامات لم تُجهّز بعد، والنساء لا يعرفن كيف يتصرفن، أنه أمرٌ في غاية الصعوبة أن تكون في مكانٍ مليء بالناس ولا يوجد مكانٌ خالٍ للنسوة لقضاء حاجاتهن، لا أحد يهتم لأمرنا» تقول السيدة التي دخلت عقدها الرابع. 

وتُضيف: «نقضي يومنا بين خوفٍ من تدفّق المياه لداخل الخيم وتأمين الطعام وحماية أطفالنا، وبين البحث عما يدفئ المكان، فَقَدنا كل شيء، ليس معنا ما يُمكّننا من تأمين حاجاتنا، لذلك لجأنا إلى المخيم وهو كما ترا» وتشير بيدها إلى الخيم المتناثرة على أرضٍ موحلة.

حال “عمر أبو عزيز” من أهالي حي “الحوارنة” بمدينة سري كانييه، ليس بأفضل من حال باقي الأُسر النازحة، فهو أبٌ لستة أطفال، ومصابٌ بمرضٍ في القلب، يقول: «نعاني كثيراً، لا طعام يُقدَّم بشكلٍ منتظم، وجبةٌ واحدة في اليوم ورغيفان لكل فرد، من يشبع من رغيفين طوال اليوم؟ أطفالي يبقون جياع ولا أملك ثمن تأمين الطعام لهم». 

«خسرتُ بيتي وعملي وكل ما أملك، وهنا في الخيمة لن تجد حتى سجادةً تجلس عليها، لن تجد ما يدفئ هؤلاء الصغار؛ سيمرضون، الحياة صعبةٌ هنا، والليل ثقيل، وطويل ومظلم، العمل بطيءٌ جداً من قبل المنظمات وإدارة المخيم، نحتاج عدداً أكثر من البطانيات، نحتاج للتدفئة، والطعام والمياه» يُضيف “أبوعزيز” متحسّراً على حياته في سري كانييه. 

بقي الرجل الخمسيني، مع عشرات الأسر، نحو شهرين في مدرسةٍ بمدينة الحسكة، لكنه غادرها بسبب «الجوع» بحسب وصفه لـ مجلة (شار).

يقول: «كنا نرى المساعدات تأتي للمدرسة، ولكن لم تكن تصلنا، كانت تخرج منها ولا ندري كيف، لم يكن هناك توزيع عادل، لذلك تركنا المدرسة وتوجّهنا إلى المخيم، لكن للأسف الإجراءات هنا مُعقّدة، كل مسؤولٍ يلقي بك إلى آخر، لتعود إلى خيمتك خائباً، منذ خمسة أيام نعيش في خيمة لا شيء فيها؛ سوى بعض المواد فقط، وننام على أرضٍ رطبة».

تصوير: احمد مراد
تصوير: أحمد مراد

المرض يزيد من مرارة النزوح 

يشتكي “شريف محمد صالح” من قرية “ليلان” بريف سري كانييه، من عدم توفّر الأدوية الضرورية في الصيدلية الوحيدة في المخيم. 

حاله كحالِ “محمود علي العلي” نازحٌ من قرية “أم الخير” بريف سري كانييه، الذي يشكو هو الآخر من مشكلة الجانب الصحي في المخيم.

«عندما تُراجع مستوصف المخيم، فالطبيب غالباً يصف دواءً واحداً لكل المرضى وهو عبارة عن شرابٍ مسكّن للأطفال، وفي بعض الأحيان، لا يُكلِّف الطبيب نفسه عناء إجراء معاينة وفحصٍ للطفل، يسألك عن مرضه والأعراض التي تنتابه ومن ثم يكتب وصفةً طبية وهي متشابهة لكل الأطفال والحالات» يقول “محمود العلي”.

المشكلة ذاتها يتحدّث عنها “شريف محمد صالح” ويؤكّد على عدم توفّر الأدوية اللازمة، يقول: «حين تضطرّ للذهاب إلى الطبيب، غالباً ما يكون طبيباً غير مختص (طبيب عام) وعند وصف الدواء، تتفاجأ بعدم توفّره في المخيم، حينها نُجبر على الخروج من المخيم لتأمين هذا الدواء».

الهلال الأحمر الكردي لديه مبرراته أيضاً

منذ بداية إنشاء مخيم (واشو كاني)، اتّخذ الهلال الأحمر الكردي مركزاً طبياً له داخل المخيم لتقديم الرعاية الطبية للمرضى، من الأطفال، الرجال والنساء على مدار 24 ساعة، لكن تلك الخدمات لم تكن ضمن المستوى المطلوب، بناءً على شكاوى بعض النازحين ممن تحدّثوا  لـ مجلة شار.

غير أن “جيهان عامر” الرئيس المشترك للهلال الأحمر للقطاع الغربي والمشرفة على المخيم، نفت تلك الادّعاءات واعتبرتها «غير دقيقة».

تقول لـ مجلة شار: «يتواجد في المخيم بشكلٍ يومي من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الثالثة عصراً، طبيبان مختصان، أحدهما اختصاص أطفال والآخر اختصاص داخلية،  وفي الوقت المتبقي، هناك قسم الإسعاف والعيادة النسائية أبوابهما مفتوحة طوال اليوم».

وتُضيف: «بالنسبة للحالات الحرجة أو التي تحتاج إجراء عمليات، يتم تحويلها إلى المستشفيات وبشكلٍ مجاني بواسطة سيارات الإسعاف الموجودة بشكل دائم في المخيم».   

وكشفت “عامر” عن تحضيراتٍ جادة من أجل إنشاء مستشفى خاص يضمّ العديد من الأقسام في المخيم في الفترة القريبة المقبلة، لكنها أكدت أنه «في الوقت الحالي نعمل بشكلٍ إسعافي».  

أما بالنسبة لمستوى الدعم المُقدّم من جانب منظماتٍ أممية أو منظمة الصحة العالمية، فتقول الرئيس المشترك للهلال الأحمر الكردي: «حتى الآن لم نتلقّ أيّ دعمٍ من أيّة منظمة طبية سواء كانت دولية أو إقليمية». 

 وتُضيف: «هناك نواقص، لكن الأمر طارئ وإسعافي والجميع يعمل على تلافيه في الأيام القادمة، والهلال الأحمر الكردي يقدّم خدماته الطبية، بما فيه الأدوية، بشكل مجاني لجميع النازحين».

أكثر من 800 عائلة نازحة والمنظمات الإنسانية الدولية غائبة

«يضم مخيم “واشوكاني”  أكثر من 800 عائلة يبلغ عدد أفرادها 4081  شخصاً، جلّهم من النساء والأطفال، نزحوا من مدينة سري كانييه وريفها، وبلدتي أبو راسين وتل تمر وريفيهما» بحسب “فريال أحمد” مدير مخيم “واشو كاني”.

وتقول لـ مجلة شار: «قدّمت منظمة “آقا” كمية من مدافئ المازوت، لكنها لا تغطي حاجة المخيم بالكامل، حتى بالنسبة إلى البطانيات والاسفنجات، ليس لدينا إمكانيات تلبية الجميع، فالمنظمات الدولية لا تُقدّم أيّة مساعدة، في حين تحاول المنظمات المحلية العمل بكل طاقتها، لكنها تفتقر إلى الإمكانيات اللازمة».

«الوضع في المخيم صعبٌ جداً، فالنسبة الأكبر هم من النساء، بعضهن نساءٌ حوامل وكذلك أطفال بينهم حالات مَرَضيّة، هناك شيوخٌ كبار في السن، وجميع هذه الحالات تحتاج للرعاية والاهتمام ونحن في فصل الشتاء والطقس بارد جداً وإمكانياتنا محدودة» تُضيف “أحمد”.

وتختم حديثها بالقول: «يبقى حال النازحين في تراجعٍ مستمر دون تحرّكٍ ملموس من جانب  المنظمات الدولية، فيقتصر عملهم على التقاط الصور وتسجيل الأسماء دون مساهمة حقيقية في إنهاء معاناة هؤلاء، بينما تبذل المنظمات المحلية قصارى جهدها في تأمين بعض احتياجات النازحين». 

 

23 replies on “مُخيّم التوينة.. تحدّي مصاعب النّزوح في ظلِّ غياب المُنظّمات الدوليّة”

  • 07/05/2023 at 2:25 م

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 01/25/2025 at 3:19 م

    … [Trackback]

    […] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 02/01/2025 at 3:57 ص

    … [Trackback]

    […] Here you can find 21142 additional Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 02/27/2025 at 8:07 م

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 03/11/2025 at 5:55 ص

    … [Trackback]

    […] Here you can find 45761 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 04/01/2025 at 6:26 ص

    … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 04/30/2025 at 1:50 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] There you can find 59953 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 05/15/2025 at 7:58 م

    … [Trackback]

    […] Here you will find 50874 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 05/24/2025 at 10:35 ص

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 06/05/2025 at 6:26 م

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 06/11/2025 at 6:21 ص

    … [Trackback]

    […] There you will find 10016 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 06/14/2025 at 9:47 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 06/16/2025 at 12:21 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 08/03/2025 at 3:45 م

    … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

  • 08/05/2025 at 5:11 ص

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/12/مُخيّم-التوينة-تحدّي-مصاعب-النّزوح-في/ […]

Comments are closed.