يستيقظ من النوم متأخّراً في كل يوم، بسبب السهر الدائم لساعاتٍ طويلة تصل أحياناً لوقت الفجر، بهدف إنجاز أعمالٍ إضافية إلى جانب عمله الأساسي مدققاً للغة العربية في إحدى وسائل الإعلام المحلية.

 فإلى جانب عمله الأساسي، يمارس “مامو” عملَين إضافيين، ليتمكّن من رعاية أسرته، وتخصيص بعض المال لإعالة والديه المقيمَين في الشهباء بعد تهجيرهما من عفرين.

ضريبة العمل الإضافي، تدفعها عائلة “مامو”، فالرجل الأربعيني لم يعد لديه وقت فراغ لاستقبال الضيوف، أو حتى اللعب مع طفله الوحيد إلا ما ندر، حسبما يوضّح لـ (شار)، فالعمل يأخذ جلّ وقته، بينما يقضي ساعات النهار في النوم والاستراحة.

«الحالة المعيشية في قامشلو مكلفة، ورغم زيادة نسبة الأجور التي نتقاضها؛ إلا أن ارتفاع الأسعار يكون موازياً لزيادة الأجور، وهو ما يفرض علينا تعويض فقدان القيمة الشرائية لليرة السورية بالعمل الإضافي»، يقول “مامو”.

مع فقدان القيمة الشرائية لليرة السورية مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار، باتت الغالبية من معيلي  الأسر  تلجأ إلى أعمالٍ إضافية، علّها تُمكّنها من سدّ احتياجات عائلاتها.

إلا أن الأمر لا يخلو من الآثار التي تنعكس سلباً على العلاقات الاجتماعية للأفراد والأُسَر وعلى الأطفال في الكثير من الأحيان، خاصةً تلك التي يكون فيها ربّ المنزل مضطراً للعمل أكثر من 13 ساعة في اليوم. 

تّقنين المصاريف لتأمين الحاجة الشهرية

يحاول “أبو حسن” توفير ما يستطيع من المال، لتأمين حاجات أسرته حتى نهاية الشهر، ينتظر لساعاتٍ طويلة أمام أكشاك بيع الخبز في مدينة قامشلو ويستغني عن شراء الخبز السياحي لأسرته المؤلفة من خمسة أفراد، بغية توفير 1500 ليرة سورية في الشهر، وهو الفرق بين شراء نوعي الخبز. 

حال “أبو حسن” الذي يتقاضى راتبه التقاعدي  58 ألف ليرة سورية (ما يعادل أقل من ثلاثين دولار)، لا يختلف عن أحوال كثير ٍ من السوريين.

يؤكّد “أبو حسن” الذي يعمل حلاقاً في حيٍّ شعبي، أن المعيشة صعبة ولا يمكن لراتبه التقاعدي ومهنة الحلاقة التي يعمل بها منذ عشرين عاماً أن تُعيل عائلته، لذا بدأت ابنته ذات الـ 24 عاماً بالعمل في إحدى المؤسسات الأمنية التابعة للإدارة الذاتية، للمساهمة بشكلٍ أو بآخر في تحمّل جزءٍ من الأعباء المالية التي تحتاجها أسرتها.

فروقاتٌ كبيرة بين الرواتب

تختلف نسبة الأجور التي يتقاضاها العاملون في الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا عن رواتب الحكومة السورية بمقدار الضعفين في أسوء الحالات، فبعد الزيادة الأخيرة على الراتب والتي أعلنتها الإدارة في تموز يوليو 2020 بنسبة 150%، بات الحد الأدنى لرواتب العاملين 220 ألف ليرة سوريا وسقفها بحدود 500 ألف، في حين لا تزال رواتب موظفي الحكومة السورية أقل من مئة ألف ليرة سورية.

رغم هذا الاختلاف الكبير بين الأجور في مناطق الإدارة والحكومة؛ إلا أن أبناء مناطق  شمال وشرق سوريا يعانون من ضائقةٍ مالية، تدفعهم لتقنين بعض الأمور على حساب أمورٍ أخرى.

فـ “دارين” 30 عاماً التي تعيش مع والديها، وتعمل في إحدى مؤسسات الإدارة الذاتية، تؤكّد أن راتبها لا تكفي لإعالة أسرتها الصغيرة.

فهي تشتكي من ارتفاع قيمة السلع الأساسية، لاسيما مع بدء فصل الشتاء، تقول لـ (شار): «مع بدء فصل الشتاء، فكرت في اقتناء سترة شتوية جديدة، إلا أن أسعارها تصل لنصف الراتب الشهري، حتى البالة باتت لا تختلف أسعارها عن الملابس الجديدة».

فمبلغ 230 ألف ليرة الذي تتقاضاه “دارين”، لا يكفي إلا المأكل والمشرب في ظلِّ عجز والديها عن العمل، لذا تحاول الفتاة الثلاثينية البحث عن عملٍ إضافي في الفترة المسائية كضرورةٍ معيشية لا للترفيه.

للطلبة معاناةٌ من نوعٍ آخر

هذا نموذجٌ لمحدودي الدخل من أهالي قامشلو، لكن هناك طلاب نازحون يقطنون هذه المدينة، أحوالهم أسوء من الحالات السابقة، “أحمد” طالبٌ جامعي نازح من عفرين، يضطرّ للعمل في الفترة المسائية في محلٍ لبيع الألبسة مقابل مبلغ لا يتجاوز 40 دولار، مع استهلاك الجهد الكبير على حساب دراسته.

يشير “أحمد” إلى أن عائلته النازحة المقيمة في الشهباء، لا تستطيع تكفّل مصاريف دراسته في جامعة (روج آفا) التي تمنح طلابها من مُهجّري عفرين وسري كانييه وكري سبي، مبلغاً مالياً يُقدّر بـ 60 ألف ليرة سورية مع تأمين السكن مجاناً، إلا أنه لا يفي بالغرض كمصروفٍ شخصي ومتطلبات الدراسة، لذا يضطر لتحمّل أعباء العمل الإضافي.

الأوضاع في مناطق الحكومة تبدو أكثر سوءاً

الأوضاع المعيشية في مناطق الإدارة الذاتية هي أفضل حالاً من مناطق الحكومة وتلك الخاضعة للسيطرة التركيّة، فحجم الرواتب سواء للعاملين في الإدارة أو القطاع الخاص، متقاربة باستثناء فئة التجار، مع وجود فارقٍ كبير في مناطق الحكومة السورية بين دخل الموظف وأصحاب المهن الحرة، وحتى العسكريين.

“إيفان” موظفٌ حكومي انتقل إلى حلب بعد سيطرة تركيا على مدينته عفرين في مارس آذار  2018، يقول لـ (شار): «أعمل إلى جانب وظيفتي في محلٍ لبيع الأجهزة الإلكترونية، أما زوجتي فتعمل مُدرّسة وتعطي دورات خصوصية، ورغم ذلك؛ لا نستطيع توفير شيء من المال الذي نتقاضاه، نتيجة قلة الرواتب وغلاء المعيشة والإيجارات»

الحظ حالف “إيفان” وزوجته في إيجاد عملٍ إضافي، لكن غالبية المقيمين في مناطق الحكومة والشمال السوري، لا يستطيعون توفير فرصة عمل ثانية، نتيجة تزايد معدلات البطالة، وهو ما يدفع عدد من الشبان للالتحاق بالجهات الأمنية والعسكرية والتي تتميز برواتب أعلى من العمل المدني.

27 replies on “أعباءٌ اقتصادية تُجبر معيلي الأُسر للبحث عن أعمالٍ إضافية ”

  • 06/27/2023 at 2:03 ص

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 09/01/2023 at 3:33 م

    … [Trackback]

    […] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 09/04/2023 at 10:16 ص

    … [Trackback]

    […] Here you will find 55615 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 02/26/2025 at 8:22 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 03/09/2025 at 6:48 م

    … [Trackback]

    […] There you will find 4074 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 03/20/2025 at 9:18 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you can find 75308 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 03/28/2025 at 4:56 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 03/30/2025 at 5:37 ص

    … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you can find 72771 additional Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 04/02/2025 at 1:39 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you will find 91659 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 04/11/2025 at 2:19 م

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 04/17/2025 at 5:09 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Information here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 04/25/2025 at 1:21 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 05/16/2025 at 10:03 ص

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 06/19/2025 at 1:04 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 07/23/2025 at 11:36 ص

    … [Trackback]

    […] There you can find 605 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 08/02/2025 at 1:35 ص

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 08/05/2025 at 3:08 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 08/17/2025 at 4:59 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 08/22/2025 at 9:03 ص

    … [Trackback]

    […] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

  • 09/05/2025 at 6:08 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/أعباءٌ-اقتصادية-تُجبر-معيلي-الأُسر-لل/ […]

Comments are closed.