على قطعةٍ من السّجاد المُهترئ، تجلس “فهيمة إبراهيم” أمام خيمتها مُنحنيّة الظّهر، تحاولُ عبثاً مقاومة البرد الذي تسلّل إلى جسدها المُنهك، إذ تُحرّك يديها وتحفُّ كفيها ببعضهما البعض؛ إلا أنّ الطقس باردٌ والأمطار على وشك الهطول، وبدأت معه مُخيّمات المُهجّرين مرحلةً جديدة من المعاناة المستمرّة، قد يتسبّب تشكيل السيول فيما بعد، بانجرافها.

مع اشتداد البرد، تواجه فئاتٌ اجتماعية عدّة صعوبات في تأمين الدفء، فالشتاء قاسٍ بمختلف المعايير في مناطق شمالي شرقي سوريا، لا سيما في ظلّ الظروف الاقتصادية والأمنية الصعبة التي تمرّ فيها البلاد، إذ لا تجد عائلات كثيرة ما يساعدها على التّحمّل والصمود، والوضع سيكون أسوء في مخيمات النازحين، حيث البرد الذي لا يُحتمَل. 

«ترتعشُ أجسادنا من البرد، تكتسحنا أمراض المفاصل، ثلوجٌ وأمطار ورياح، هذا ما نعيشه كل عام هنا في مخيم نوروز مع حلول الشتاء»، هكذا تصف السيدة السبعينية حالها وحال النازحين في مخيم “نوروز” قرب الشريط الحدودي مع تركيا بمنطقة ديرك.

“فهيمة إبراهيم” هي من بين مئات النساء المُهجّرات من سري كانييه، تقطن مع أحفادها اليتامى في مخيم “نوروز” منذ مقتل ابنها مع بداية الاجتياح التركي وفصائل المعارضة السورية مدينتها عام 2019.

تؤكّد خلال حديثها لـ (شار)، أنّ الدفء والمأوى «لم يعودا يشغلا بالها»، إلا أنّها مسؤولةٌ عن أطفالٍ صغار، «والبرد لا يُحتمَل، خاصةً مع سقوط الثلج وانخفاض درجات الحرارة».

ليست “إبراهيم” وحدها مَنْ تعاني قساوة الظروف المناخية وبرودة الطقس، إذ يواجه “أحمد عبد الحي” من أهالي سري كانييه، ظروفاً صعبة أيضاً، وتزداد معاناته في فصل الشتاء مع افتقار خيمته لأبسط الضروريات من أغطيةٍ وتجهيزاتٍ قد تقيهِ برودة الجو. 

الرجل الستيني الذي يعمل بأجرةٍ يومية لإعالة أسرته المؤلّفة من ثمانية أشخاص، أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة،  يعيش في خيمةٍ مهترئة، تُجبره على إجراء صيانةٍ دورية لها، علّها تحميه وأفراد عائلته من مياه الأمطار  وبرودة الرياح، كي لا يضطرّ للانتقال إلى مكانٍ آخر في ظلِّ ظروفٍ إنسانيةٍ قاسية يمرُّ بها هو وباقي المُهجّرين عن سري كانييه.

«ما أجنيه من عملي، لا يكاد يكفي معيشة عائلتي، وهذا ما يجعلني عاجزاً عن استئجار منزلٍ واقتناء وسائل تدفئة، فأضطر مُجبَراً على البقاء في العيش داخل هذه الخيمة التي تشاهدونها»، يقول لـ (شار) وهو يُشير إلى مكان إقامته.

محاولة “عبد الحي” في حماية خيمته وصيانتها، تُشبه محاولات الكثيرين داخل مخيم “نوروز”، إذ يُجدّون جميعاً قبل حلول فصل الشتاء، بجلب وجمع الصخور والأحجار ووضعها تحت خيمهم، لرفعها قليلًا عن الأرض؛ للتخفيف من مشاكل المياه الجارية ومنعاً من تسرّبها إلى الداخل.

رغم جميع الاحتياطات التي يتّخذها هؤلاء، إلا أنه من الصعب عليهم حماية أنفسهم وعوائلهم من مواجهة الكوارث الطبيعية بشكلٍ كامل، بسبب قلة الإمكانيات ونقص المواد الضرورية لتدفئة خيامهم، إضافة لوجود إما رجلٍ عاجز أو طفلٍ مريض داخل كل خيمة، وأحياناً  تكون المرأة هي ربُّ العائلة ومسؤولة عن أطفالٍ صغار لا حيلة لهم.

«إدارة المخيم تمنعنا من استخدام مدافئ المازوت، خوفاً من نشوب الحرائق، وليست لدى المُقيمين وسائل تدفئة تُمكّنهم من التغلب على برد الشتاء»، تقول “ميادة حسن” 36 عاماً.

وتُشير خلال حديثها لـ (شار)، أنّه لا توجد حتى الآن «وسيلة معينة لاستخدامها في التدفئة، وغالبية النازحين قد تعتمد فقط على الأغطية لمواجهة الشتاء أو مدافئ الكاز، لكن لا يعلمون إن كانت إدارة المخيم ستسمح لهم أم لا». 

شتاء عام 2019، كان قاسياً على قاطني مخيم “نوروز”، إثر وفاة تسعة أشخاص حرقاً، بسبب عطلٍ في مدفأة الكاز، حيث تناقل الأهالي قصصاً مُروّعة عن الحادثة. 

تقول “حسن”: «خلال العام الماضي، تصاعدت ألسنة النار فجأة من إحدى الخيم، ثم تعالت الصرخات، هرع الأهالي من خيمهم على سحابة دخان اجتاحت سماء المخيم، حصدت المدفأة في ذلك اليوم أرواح سبعة أطفال لم يتجاوز أكبرهم عشرة أعوام، وامرأتين».

قد لا يفكر الكثيرون منّا ونحن في البيوت الدافئة نراقب الأمطار من النوافذ، أنّ ثمّة رياحاً عاتية في الخارج، وهناكَ عشرات العائلات في المخيّمات يتجنّبون الصقيع، ويلتمون على أنفسهم بحثاً عن الدفء، إنّه ذلك الوجه القاسي للشتاء والذي يعرفه الفقراء والمهجّرون أشدّ معرفة.

17 replies on “المهجرون والوَجهُ القاسي للشّتاء..  يبحثُون عن الدّفءِ داخل المُخيّمات”

  • 07/05/2023 at 6:04 م

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 02/28/2025 at 11:55 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 03/12/2025 at 4:21 ص

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 03/16/2025 at 9:46 م

    … [Trackback]

    […] There you can find 59579 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • … [Trackback]

    […] Here you will find 9595 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 03/26/2025 at 6:32 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 04/11/2025 at 12:02 م

    … [Trackback]

    […] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • … [Trackback]

    […] There you can find 6932 more Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 05/19/2025 at 5:10 ص

    … [Trackback]

    […] Here you can find 84748 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 05/23/2025 at 8:26 ص

    … [Trackback]

    […] Here you will find 29905 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 06/01/2025 at 9:51 ص

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 06/08/2025 at 8:40 م

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 08/02/2025 at 5:04 ص

    … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 08/29/2025 at 2:28 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • 09/04/2025 at 5:38 ص

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2020/12/المهجرون-والوَجهُ-القاسي-للشّتاء-يب/ […]

Comments are closed.