سردار ملا درويش

يتغنى العالم من مشرقه إلى مغربة بمدينة «استانبول» وجمالها وروعة مناظرها كوجهة تستقطب السياح من كل حدب وصوب، إلا أن تلك الرؤية في ظل واقع السوريين الذين يتجهون نحوها، تكون مختلفة، لأنها تقتصر إما على  طلب اللجوء والعمل، أو الهجرة عبرها إلى أوربا، وكل ذلك هرباً من الحرب المستمرة في بلادهم منذ آذار 1102.

الحرب التي أثقلت كاهل السوريين بشكل عام، وأبناء منطقة الجزيرة بشكل خاص من (كرد وعرب وآشوريين وسريان)، جعلت الكثيرين منهم يَعْبر الحدود إلى تركيا متجهين نحو مدينة «استانبول» بوجوه تعبة يملؤها الأرق، باحثين عن بوابة توصلهم إلى «أوربا»، كعابري سبيل، دون الشعور بسحر وجمال تلك المدينة.

IMG_6966

الصحافي «عمر العبدالله» الذي يعيش في تركيا وانتقل من استانبول إلى مدينة «غازي عنتاب» حديثاً، كان شاهداً على رحلة بعض أبناء منطقة الجزيرة من الباحثين عن الهجرة الشرعية أو غير الشرعية إلى بلاد الغرب. رابطاً إياها بالظروف المعيشية الصعبة التي تشهدها سوريا، بالإضافة لانعدام الاستقرار وضمان العيش في بلادهم التي ترزح تحت القصف والدمار على يد قوات النظام، «وهو ما يضعهم -السوريين- أمام خيارات (مؤلمة)، فإمّا البقاء تحت نير القصف، أو الهجرة لتركيا ومنها إلى أوربا».

«عمر» الذي يضع مسألة الهجرة في خانتي السلب والإيجاب، يعتبر أن «الهجرة إلى أوربا تشكل بشقها السلبي فراغاً في المجتمع السوري، الذي بات يخلو من الناشطين المدنيين وأصحاب رؤوس الأموال (الاقتصاديين)، الأمر الذي أدى إلى قطع شريان الحياة وعدمية الاستمرار فيها، وهو ما ينطبق على السوريين بشكل عام، أما بالنسبة لأبناء الجزيرة حسب عمر «فقد اعتادوا الهجرة منذ عقود، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والسياسات الاستثنائية من قبل النظام بحقهم، والمستمرة منذ انطلاقة الثورة السورية، الأمر الذي شكل انعكاسات سلبية على واقع المنطقة، كإفراغها من مكوناتها الأساسية، وفتح المجال أمام تغيّر تركيبتها (الديموغرافية) السكانية، إضافة لتركها مفتوحة أمام الجماعات المتطرفة التي تحاول السيطرة على المنطقة».

«أكسراي» بوابة عبور أم جحيم نحو المجهول

«لم اختر الهجرة مكاناً للعيش، بل هي من فرضت نفسها عليّ، خاصةً بعد الأحداث التي دارت في مدينتي، والوضع المأساوي الذي آلت إليه، فلم تكن لدي أية دوافع مسبقة للهجرة، لكن رحى الحرب دارت على الجميع، لنخسر كشباب؛ أيامنا ومستقبلنا وعملنا ودراستنا، مقابل ترسيخ لغة السلاح، التي جعلتنا نبحث عن العيش بأمان واستقرار حتى ولو كانت في الغربة». مشاعر أدلى بها الشاب «ليث دوشي» أحد أبناء مدينة سري كانيه/رأس العين، الذي هاجر إلى «السويد». مستطرداً: «في ظلّ الحرب التي تدور في سوريا، لا يستطيع أي مواطن سوري أن يقرر أو يطمح أين سيستقر أو يعيش، وهو يتلمس الواقع المليء بالأخطار!!. لذا نغامر بأرواحنا ونحن نعبر الحدود من أجل الوصول لنقطة أمان، ومن ثم نفكر ماذا سنفعل!!».

اختيار آلاف المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين لمدينة «إستانبول» بحسب «ليث» يأتي بحكم موقعها الجغرافي الذي يربط الشرق بالغرب، رغم غلاء الأسعار والمواصلات والسكن فيها.

أما «ميادة» من مدينة الحسكة والتي تبحث منذ ثلاثة أشهر في إستانبول عن سمسار «صادق» بوعوده، ليؤمن لها ولابنتها فرصة الوصول إلى «ألمانيا»، حيث إقامة ولديها الاثنين اللذان أرسلتهما أيضاً بطرق «غير شرعية» قبل عام. ترى أن الأعوام الثلاثة الماضية كانت قاسية وصعبة جداً وهي تنتقل – عبر الحدود – من سوريا إلى تركيا، معرضةً حياتها للخطر من أجل تأمين طريق لهجرة أبنائها. مضيفةً: «ظروف الهجرة لم تعد كما كانت بتلك البساطة في ظل تدفق السوريين إلى أوربا، ما أدى للتشديد على المنافذ الحدودية من قبل الحكومات، لذا نلقى اليوم أنا وابنتي صعوبة في ايجاد طريق للهجرة، هذا عدا تعرصنا لعملية نصب من قبل أحد السماسرة».

ما سردته «ميادة» يؤكده الصحافي «محي الدين عيسو» من أبناء مدينة سري كانيه، الذي هاجر مؤخراً إلى النمسا، بأن «سماسرة الهجرة يتحكمون بمصائر المهاجرين، من خلال الوعود (الزائفة)، وإبقاء مصائر المهاجرين بأيديهم لكسب المال دون مراعاة إنسانية لهم، فما أن تصل إلى منطقة أكسراي (وكر السماسرة) وسط مدينة استانبول حتى ترى نفسك بعالم آخر، يغلبه طابع شرقي، الغالبية يتحدثون العربية والكردية، عالم لا يفرق فيه «السماسرة بين غني وفقير، كبير وصغير، متعلم وأُمي، امرأة ورجل، لأن جلّ اهتمام هؤلاء، هو كسب المال، دون الرأفة بأرواح المهاجرين».

يشكل السوريون والعراقيون النسبة الأكبر بين السماسرة في «استانبول» حسب المطلعين.

الحرب تبرر الهجرة

الهجرة في حالة السوريين بشكل عام وأبناء الجزيرة بشكل خاص، لها أبعادها السلبية والإيجابية، على تنوعها. فمنها ما يقتصر على البقاء في تركيا، بينما تسعى الغالبية العظمى للتوجه نحو الغرب، بحسب «عمر العبدالله». الذي يرى أن الجانب السلبي يكمن في المبالغ الضخمة التي يدفعها المهاجرون للسماسرة والتي تتراوح ما بين (9- 21) ألف يورو. معتبراً أنه لو جمعت عائلة مؤلفة من أربعة أشخاص المبلغ الذي تدفعه للهجرة، وأقامت به مشروعاً حيوياً في المنطقة، لساعد في توفير الدخل لعائلات عدّة. ولكن في الجهة المقابلة يقول «عمر»: «كي لا نكون مثاليين لحد بعيد، يوجد سبب رئيسي يكمن خلف هذا التهافت على الهجرة، وهو حفاظ الناس على أرواحهم»، ما يجعلنا نصفها (على الأقل) – أي الهجرة – بالفكرة الطارئة أو البديلة أو الكفيلة باستمرارية العيش، وهو خيار منطقي في واقعنا، «لذا من حق المهاجرين أن يبحثوا لأنفسهم عن فرص للحياة والعيش الكريم في ظل انعدامها في سوريا».

الهجرة صراع مع الذات وامتحان للصبر

«سيبان» شاب سوري وصل إلى «ألمانيا» قبل عام ونصف، اضطر لخوض تجربة قاسية، بدأت بمرحلة العبور من سوريا إلى تركيا، كاد أن يفقد خلالها حياته قبل أن يهرب من دورية «الجندرما» التركية على الحدود، ليحاول ثانية ويصل لمدينة استانبول، مكث فيها شهرين، اتجه بعدها إلى ألمانيا بشاحنة مع مجموعة شباب (عرب وكرد). تركهم صاحب الشاحنة في منطقة حدودية، هاجمتهم إثر ذلك دورية شرطة، هرب مع أحد أصدقائه وألقي القبض على الآخرين، ليبقى مع صديقه لمدة يومين في غابة دون أكل أو شرب، حتى سلموا أنفسهم عبر صيادين للشرطة «الألمانية».

إن هروب أبناء الجزيرة كرداً وعرباً وسريان وآشوريين، من شبح الموت والظروف التي تحكم بلادهم ومنطقتهم إلى أوربا، ليس بالأمر السهل، يوازيه مشقة الرحلة والأخطار التي يتجاوزونها حتى «الوصول» لأوربا بأمان. هذا عدا عن مأساة الشعور الوجداني بترك الوطن، والذي يصفه «ليث» بالمرارة، معتبراً أنه «لا يشعر بها إلا من ذاقها. فليس من السهل أن تترك ذكرياتك ووطنك وماضيك كاملاً، وترحل إلى بلد يختلف عنك باللغة وأسلوب الحياة، إلا أن مأساة السوري باتت تفرض أوزارها، ولابد من تحملها».

30 replies on “«استانبول» قبلة المهاجرين ومقصلة الفصل بين السوريين والوطن”

  • 06/18/2023 at 4:57 م

    … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 01/25/2025 at 12:26 م

    … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 01/25/2025 at 11:20 م

    … [Trackback]

    […] Read More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More on on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 02/25/2025 at 6:37 ص

    … [Trackback]

    […] Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 03/16/2025 at 10:31 ص

    … [Trackback]

    […] Read More Info here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 03/26/2025 at 1:38 م

    … [Trackback]

    […] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 04/01/2025 at 10:15 م

    … [Trackback]

    […] There you will find 13990 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] There you can find 76029 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 04/05/2025 at 1:21 م

    … [Trackback]

    […] Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 04/11/2025 at 6:26 ص

    … [Trackback]

    […] There you will find 58302 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 04/18/2025 at 2:05 ص

    … [Trackback]

    […] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 04/23/2025 at 7:08 م

    … [Trackback]

    […] There you will find 21032 additional Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 05/02/2025 at 1:49 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Find More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 05/09/2025 at 2:22 م

    … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 05/23/2025 at 8:44 م

    … [Trackback]

    […] Find More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 06/02/2025 at 3:25 ص

    … [Trackback]

    […] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 07/04/2025 at 4:53 ص

    … [Trackback]

    […] Find More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 07/15/2025 at 2:30 ص

    … [Trackback]

    […] Here you can find 31455 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 07/15/2025 at 4:14 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 08/03/2025 at 3:08 م

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • … [Trackback]

    […] Read More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 08/09/2025 at 1:38 ص

    … [Trackback]

    […] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

  • 09/11/2025 at 4:55 ص

    … [Trackback]

    […] Read More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2014/10/استانبول-قبلة-المهاجرين-ومقصلة-الف/ […]

Comments are closed.