اللحظات المأساوية التي عاشها أبناء مدينة قامشلو في السابع والعشرين تموز 2016، كانت أشبه بالخيال، حينما باغتت شاحنةٌ مفخخة عشرات العوائل الآمنة في غفلةٍ من نومهم في ذاك الصباح المشؤوم، وآخرون كانوا في طريقهم إلى أعمالهم الصباحية؛ سائقٌ يقصد بمركبته المليئة بالركاب سوق المدينة، مرضى مشغولون بأحاديث جانبية في غرفة الانتظار في عيادة طبيب الأسنان المكتظة بمن استعجل المجيء، وأطفالٌ تسللوا من منازلهم خلسة إلى الشارع لّلعب مع أقرانهم؛ دون أن يعلموا جميعاً أن فاجعة كبيرة بحجم أحلامهم تنتظرهم.
«ذاكرتي لا تُسعفني في تذكّر الكثير من التفاصيل الدقيقة للحظات الأولى حين وقع التفجير، سوى مشهد الركام من حولي دخان متصاعد وغبار كثيف لم يسمح لي برؤية ما حدث حولي؛ إلا بعد مرور بعض الوقت؛ كنا جالسين في غرفة المعيشة» لم تتمالك نفسها وأجهشت بالبكاء حين ذكرت أسماء من فقدتهم في حادثة التفجير.
السيدة “بهية جمعة” وتدعى “أم غسان” /70/ عاماً، هي إحدى الأمهات اللاتي فقدن عزيزاً هنا وآخر هناك، هذه السيدة فقدت أربعة أفراد من عائلتها؛ أحد أبناءها وزوجته اللذان تركا وراءهما طفلين يتيمين (عصمت 12 عاماً ومايا 10 أعوام) كذا زوجة ابنها البكر والأصغر منه أيضاً.
مدينة قامشلو وجْهة مئات العائلات النازحة من المحافظات السورية التي تشهد قتالا بين المجموعات الإسلامية المعارضة والنظام السوري، تعرّضت منذ سنوات لأكثر من عشرين عملية استهداف إرهابية عبر سياراتٍ مفخخة ودراجاتٍ نارية، بحسب التقرير السنوي لعام (2016) لقوى الأمن الداخلي (الآساييش).
حيث ذكرت إن /19/ منها كانت محققة، فيما تم إبطال ثماني عمليات، فيما كان التفجير الذي استهدف الحي الغربي السكني في 27/7/2016 أكثرها قسوة وإيلاماً لما خلّفه من دمارٍ لاتزال آثاره باقية في المدينة، ناهيك عن عدد الأرواح التي حصدها التفجير.
حينها ذكر المكتب الإعلامي التابع للهلال الأحمر الكردي، ومقره مدينة قامشلو، أن أكثر من /50/ شخصاً فقد حياته، فيما جُرِح أكثر من /180/ آخرون إصاباتهم كانت متفاوتة.
وقالت إن فرق الطوارئ التابعة للهلال الأحمر الكردي انتشلت في اليوم الأول للتفجير /40/ جثة ليرتفع عدد الضحايا خلال أيامٍ من عمليات البحث تحت الأنقاض إلى أكثر من /50/ ضحية.
تعويضٌ غير مناسب:
«فقدنا شقيقي وخسرنا كل شيء؛ المنزل الذي كان يأوينا دُمِّر بالكامل» تنهّدت وامتلأت عيناها بالدموع قبل أن تبدأ “جيهان حاج جميل” بالحديث وتسرد لـ مجلة شار معاناتها مع أفراد عائلتها الذين نجوا من الموت بمعجزةٍ إلهية.
ملامح المعاناة التي خلّفه التفجير، تكاد تكون متشابهة لدى معظم العوائل المتضررة، فالبعض تدمّرت منازلهم بالكامل، وأخرى لم يبقَ منها إلا هياكل آيلةً للسقوط في أية لحظة لا تزال على حالها برغم مرور ثلاث سنوات على الفاجعة، فضلاً عمّا خلّفه الحادث من آثارٍ نفسية لدى ذوي بعض الضحايا.
تقول “جيهان” التي تقيم اليوم مع أشقائها ووالدتها في منزلهم الذي أعادوا بناءه من جديد: «قدمت لنا الإدارة الذاتية تعويض مالي وقدره مليونين ونصف مليون ليرة سورية، لكنه لم يكن كافياً لإعادة بناء منزلنا الذي تدمّر بالكامل، فاضطررنا لبيع الأرض التي كنا نعيش من مردودها الزراعي».
في حين تحتاج “أم غسان” وابنتها /43/ عاماً، بعد أصابتهما بعجزٍ جزئي جراء التفجير، إلى /10/ آلاف ليرة سورية شهرياً ثمن الدواء، فيما يكلّف علاج حفيدتها (مايا) التي أصبحت يتيمة الوالدين وتعاني من نقص في النمو، إلى ما يقارب /50/ ألف ليرة سورية شهرياً، إضافة إلى المصاريف اليومية الاعتيادية التي باتت من الصعب تأمينها نتيجة ما تعيشه من ظروف قاسية بعد أن دُمّر منزلهم والمحل التجاري الذي كان مصدر الرزق الوحيد بالنسبة إليهم، حالهم حال العديد من العائلات التي فقدت منازلها ومصادر رزقها.
عائلة “أم غسان” هي أيضاً حصلت على تعويضٍ مالي وقدره مليونين ونصف مليون ليرة سورية بحسب ما ذهب إليه “عبد الله حسو” نائب الرئاسة المشتركة في هيئة المالية وعضو اللجنة التي تشكّلت من قبل الإدارة الذاتية عقب التفجير الإرهابي.
وبحسب تصريحات العوائل المتضرّرة وذوي الضحايا التي رصدتها مجلة شار، فإن مبالغ التعويض لم تكن تتناسب قط مع حجم الضرر الذي أُلحق بممتلكاتهم ومنازلهم، فتجد أغلبهم يعيشون على هامش الحياة في منازل تفتقر إلى الكثير من المستلزمات والأثاث الضروري لأية عائلة.
في وقتٍ بلغ إجمالي القيمة المالية التي قدمتها الإدارة الذاتية في الجزيرة؛ إضافة إلى المبلغ الذي تبرعت به قوى الأمن الداخلي (الآسايش) وقدر بـ /200/ مليون ليرة سورية، والإدارة الذاتية في منطقة كوباني بـ /55/ مليون ليرة سوريا بلغ /315.300.000/ ليرة سورية، كتعويضٍ حصلت عليه /496/ عائلة، بحسب حسو.
ضرورة سن قانون:
لم تتطرق بنود مواد القانون /244/ الذي أصدرته الإدارة الذاتية في27/9/2014 والذي ينص على مكافحة الإرهاب وكذلك بنود ميثاق دستورها (العقد الاجتماعي) الـ (85) مادة والتي أعلنته عام 2016، إلى مسألة تعويض المتضررين جراء عمليات الإرهاب التي تستهدف المنطقة.
رغم ذلك، فإن مسألة تعويض المتضررين جراء العمليات الإرهابية، «لا يستوجب مشروع قانون تشريعي؛ بل هي من واجبات أية سلطة تجاه مواطنيها ويتطلب قراراً من الجهات المعنية بتعويض المتضررين» بحسب الصحفي الكردي “دارا بركات”.
إذ يعتبر أن «تعويض المتضررين وذوي الضحايا، هي قضيةٌ يستوجب من الجهات المعنية سواء الإدارة الذاتية كسلطة قائمة (سلطة أمر واقع) أو غيرها من الجهات التي ترى في نفسها مسؤولة عن المجتمع سواء أحزاب أو منظمات المجتمع المدني، العمل على إيجاد آلية معينة تعوّض هؤلاء جميعاً».
22 replies on “تمّوز اللاهب.. حدثٌ يستحضر معاناة أبناء قامشلو”
… [Trackback]
[…] Here you can find 22937 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 49451 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 81892 additional Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] There you will find 4943 more Info to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Info here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you will find 86069 additional Info on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 53943 more Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Information to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Find More to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Here you can find 33020 more Information on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More Information here on that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More on to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
… [Trackback]
[…] Read More here to that Topic: shar-magazine.com/arabic/2019/08/تمّوز-اللاهب-حدثٌ-يستحضر-لهيب-معاناة-أ/ […]
Comments are closed.